وصلتني رسالةٌ لطيفة قبل الرسالة العجيبة، ومنذ أن وصلتني تلك الرسالة تفاعلت معها، وقلت في نفسي: لأضمّننَّها مقالاً من مقالات دفق قلم ثم أعلق عليها لعل الله أن ينفع بها، وما كدت أبدأ بتسطير حروف ما عزمت عليه، حتى وصلتني الرسالة العجيبة من المرسل نفسه، فرأيت أن طرحها هنا أمام القراء الأحبة سيكون مفيداً للتعرف على أنماط الخطاب التي يتخاطب بها البشر.
تقول الرسالة الأولى: أخي أبا أسامة حفظك الله، وسدّد خطاك لخير الإسلام والمسلمين آمين، السلام عليكم، وبعد، أوجِّه لك نداءً شرعياً دينياً وصرخة إنسانية حارقة مؤلمة جداً جداً من أعماق قلبي، وستسأل عنها يوم لا ينفع مال ولا بنون، فَحذارِ حَذارِ حذارِ أخي عبدالرحمن لك من ذلك الموقف العظيم أمام العزيز الجبَّار، فعليك الآن أن تُبْرئ ذمتك وضميرك، وتكتب كثيراً عن (المخدرات والمسكرات) التي انتهكتْ الضرورات الخمس في الإسلام وسببَّت الويلات والمحن والمصائب في العباد والأمة.
رسالة واضحة فيها الغيرة على أخلاق المجتمع، وفيها الحرص على حماية الوطن من داء المخدرات العُضَال الذي يفتك بآلاف الشباب فتياناً وفتيات، ويفرِّق جمع الأسر، ويحدث الشقاق بين الأزواج والآباء وأولادهم، والأقارب، والأصدقاء.
رسالة فيها نصيحة لي ولقلمي الكليل، وتخويفٌ من عقاب الله لي إنْ أهملت وتهاونت، وهو تخويفٌ مشروع يقشعر له البدن، وكيف لا يقشعر بدن إنسانٍ مسلم يذكره الناصح بالآخرة وما فيها من الحساب على كل صغيرةٍ وكبيرة - نسأل الله السلامة والنجاة لنا جميعاً -.
ولقد عزمت على نشر هذه الرسالة والتعليق عليها للتنبيه على خطورة هذه السموم التي تهرِّبها الأيادي الآثمة إلى بلادنا، وبلاد العالم أجمع.
ولكن مداد هذه الرسالة لم يكد يجفّ - مع أن ما يكتب على شاشة الجوَّال لا مداد له - حتى ألحقها الأخ المرسل الغيور برسالة أخرى استوقفتني لما فيها من الغرابة والعبارات المثيرة، ولولا أن موضوع المخدرات والمسكرات مهمّ وخطير لثنيت عزم قلمي عن ما نواه من الكتابة عن تلك الرسالة الناصحة، بعد أن وصلت الرسالة الأخرى الجارحة.
تقول الرسالة العجيبة الغريبة لكاتب الرسالة الأولى نفسه: اللهم أشهدك وأنت عالم بذلك أنني أبلغت ونصحت أخي عبدالرحمن العشماوي أن يعمل بعمل عظيم فيه خير عظيم لعبادك المسلمين كافة، وموطن الحرمين خاصة، فإن عمل بنصيحتي يا ربي فأجره أجراً عظيماً، وإن لم يعمل بها يا ربي فلا تغفر له وحاسبه حساباً عسيراً، اللهم اللهم اللهم أشهدك أني بلَّغت.
ما رأيكم أيها الأحبة في هذه الرسالة؟ أرأيتم كيف تكون الحماسة غير المنضبطة دافعاً لمثل هذا الأسلوب (فلا تغفر له وحاسبه حساباً عسيراً)، هل هذا أسلوب إنسانٍ مسلم يحب لأخيه الخير؟ وهل خلا معجم أساليب لغتنا العربية من عبارات أخرى مضيئة تتفق مع منهج أفضل الخلق الذي سمح أعرابياً يقول اللهم اغفر لي ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً أبداً، فقال له منبِّهاً: لقد ضيَّقت واسعاً - أو كما قال عليه الصلاة والسلام - لقد كان خليقاً بصاحب الرسالة العجيبة أن يدعو لي بالتوفيق للكتابة عن هذا الموضوع المهم، موضوع المخدرات مع أنني كتبت عنه أكثر من مرَّة فهو موضوع في غاية الأهميَّة والخطورة، ولابد لنا جميعاً من الإسهام في محاربة هذا الداء الذي يفتك بالعقول والنفوس.
إن مثل هذا الدعاء القاسي المنطلق من حماسة صاحبه جديرٌ بأن يصرف قلمي عن الاستجابة لرسالة الأخ الأولى، والله سبحانه وتعالى قال: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} ومثل هذا الدعاء مردود لأن فيه تعدِّياً على المسلم بغير حقٍّ، ولأن الأسلوب النبوي في النصيحة لا يقرِّه ولا يرضى به.
نعم صدقت في رسالتك الأولى يا أخي فالمخدرات والمسكرات داء خطير ولابد أن نقوم جميعاً بما نستطيع لمكافحته وعلاج المصابين به، وإن هنالك لجهوداً مبذولة معلومة من الجهات الأمنية ومراكز علاج الإدمان وغيرها، ولكن مضاعفة الجهود مطلب ملح.
إشارة
اللهم اغفر لي وللمؤمنين والمؤمنات ولا تجعل في صدري غِلاً للذين آمنوا.