منذ بضع سنوات قرأت تقريراً عن مدى الاستفادة في ألمانيا من خردة الحواسيب، وكان من نتيجة التقرير اكتشاف منبع لملايين (الماركات) الألمانية تدرها عملية سهلة جداً، وهي انتزاع المادة المستخدمة في المواصلات المتمددة فوق شرائح السيلكون الخاصة بالحواسيب، ومن ثم تجميع تلك المادة جزءاً جزءاً إلى أن يباع الكيلو منها بما يزيد على خمسة وعشرين ألف مارك، آنذاك.
صحيح أننا نسخط بشدة على المتاجرين بالمسروقات من خردواتنا، لكنهم لو لم يفعلوا ذلك لما كنا انتبهنا حتى اللحظة إلى مقدار الأهمية المالية لصفيحة حديد أو بلاستيك أو صفحة ورق، نلقيها في الطريق أو في أماكن التنزه أو - على أحسن حال - في مكب النفايات حتى يأكلها الصدأ أو تحرق في محارق البلدية، أو يتم التخلص منها بالتصرف المطور - بزعمهم - في مدافن للنفايات النافعة والضارة على حد سواء.
سراق خردواتنا مجرمون بلا شك، لكن لم لا نتعامل مع الظاهرة بجانبها الإيجابي، كما تعاملت شركات البرمجيات الحاسوبية مع القراصنة، إن قراصنة البرمجيات قدموا الكثير من النفع لشركات كثيرة، منها الشركات الأم مثل مايكروسوفت، وللشركات الداعمة كذلك، كل ما على الهكر الحاسوبي هو أن يتلقى بصبر عقوبة جريمته على اختراق موقع ما أو نشر فيروس مدمر، ثم بعدها يصبح بطلاً تتلقاه كل الشركات بأكبر العروض لدعم أنشطتها المباحة.. هذا هو فن تحويل السلبي إلى إيجابي الذي يتقنه الغرب ونحاربه بكل ضراوة و(إخلاص).
أتحدث بهذا لأبناء وطني ذوي الطموح (النائم)، بعد أن أصغي إلى أحدهم في ملحمة من الهجاء يذم بها العمالة التي سرقت البلد، ثم.. لا شيء بعد هذا. لا خطوة إيجابية في سبيل استثمار خيرات البلد في المجال الذي اكتسبنا فيه الخبرة من العامل الخارج على القانون.
وآخر القضايا المشابهة للفكرة الألمانية التي بدأت بها هذا المقال - نشرتها الجزيرة في عددها 12965 - هي قضية المستثمر الأجنبي الذي تم القبض عليه في الرياض وكان يعمل تحت مظلة نظام المستثمر، لكنه تحول بذكاء إلى مجال آخر غير ما هو مصرح له، وكان يستدر من هذا المجال الجديد دخلا يقدر بأربعة إلى خمسة ملايين ريال شهرياً، ومنذ أكثر من عام كما اعترف هو بذلك.. حتى أصبح من كبار رجال الأعمال، يركب سيارة BMW فارهة ويدير نشاطه من مكتب فاره، ويحتفظ عند القبض عليه بخردة - لم يتم استخراج كنوزها بعد - يقدر ثمنها بأكثر من سبعة ملايين ريال.. كان ذلك الغشاش ينتزع صفائح المولدات الكهربائية، ومن ثم يعيد تصديرها بمئات الأطنان إلى دول تحترم الخردة التي نحتقرها ونحتقر العاملين بها.. و(من جهل شيئاً عاداه، واللي ما يعرفك ما يثمنك، والمال السايب يعلم السرقة، واللي ما يعرف الصقر يشويه)..وألف مثل ومثل تنطبق علينا قبل ما تنطبق على أولئك الأغبياء (في نظرنا فقط).
جامعة القصيم