نشرت لماذا يمارس الكاتب النقد الموجه وبصورة مباشرة لقطاع خدمي معين كالصحة أو التعليم أو الثقافة والإعلام أو الشؤون البلدية والقروية أو المالية أو وزارة الخدمة المدنية أو التجارة أو هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو القضاء أو حتى الإدارات المتوسطة (فروع هذه الوزارات) المتواجدة في جميع مناطق المملكة؟
لماذا يتم التركيز على حوادث معينة ربما تكون في نظر المسئول بسيطة جداً ويجعل من هذه الحوادث قضايا ساخنة في صحافتنا المحلية؟ كيف تنسى أو ربما تتناسى صحافتنا المحلية ذلك التاريخ الطويل المليء بالإنجازات لهذا القطاع الخدمي، أو ذاك وتركز فجأة على خلل بسيط عارض على وجه الخصوص جاعلةً (من الحبة قبة) كما يقول المثل الشعبي المعروف؟ أين خطاب الشكر والثناء للمسئولين المخلصين المنجزين الأوفياء في صحافتنا المحلية عبر زوايا الكُتاب الأوصياء الذين نصّبوا أنفسهم للدفاع عن حق الضعفاء وكشف وبيان مواطن الخلل والخور في مؤسسات كياننا الوطني؟
والسؤال الأهم والذي يأتي على وجه المقابلة: كيف يتعامل المسئول مع ما يوجه للمؤسسة التي يعلو هرمها الإداري من نقد مباشر أو مبطن عبر وسائل الإعلام المختلفة؟ لماذا يلزم الصمت غالباً مع أن هناك توجيها صريحا وواضحا من لدن المقام السامي بوجوب الإيضاح ووضع النقاط على الحروف على التساؤلات التي ينبري الكُتاب لطرحها وإثارتها في صحافتنا المحلية؟ أين دور إدارات الإعلام والعلاقات العامة في وزاراتنا ومؤسساتنا الحكومية خاصة؟ أسئلة عديدة تُطرح من قبل الطرفين المتحاورين بحذر (الكاتب والصحفي) من جهة (والمسئول والإداري) من جهة أخرى، بل ربما سمعتها أو قريباً منها على لسان عامة الناس ودهمائهم، وكل يتهم الآخر وإن لم ينطق، فالكاتب يقول بإيجاز إنني أعرض لمواطن الخلل وأحاول أن أتقصى الحقائق وأسلط الضوء على المشكلة، أينما كانت في هذا القطاع أو ذاك إيماناً مني بأن النقد البناء من مهام الكاتب والمثقف الوطني الصادق في الانتماء والولاء، علاوة على أنني من خلل زاويتي أنقل بكل أمانة ومصداقية وشفافية أوجاع وهموم وآلام الطبقة العريضة من المجتمع.. فالصحافة في نظري بوابة مشرعة أمام الجميع لإيصال صوتهم الجريح لصاحب القرار وولي أمر الجميع، من جهته قد يقول المسئول إن هذا الكاتب يتستر تحت ستار المصلحة الوطنية العامة للوصول إلى مصالح ودوافع شخصية عديدة، ويسلط الضوء على قضايا بسيطة في هذا القطاع الحكومي الذي أشرف بالانتماء إليه ويشغل المسئولين وولاة الأمر لحاجة في نفسه ومآرب ذاتية يريد الوصول إليها من خلال هذا الطريق المعبد بين يديه، بعض هذه الأهداف الخاصة التي تُسربل الكاتب من أخمص قدميه حتى مفرق رأسه معروف وواضح والبعض الأخر لا يمكن الجزم به فهو مخفي مكنون في صدر صاحبه ولا يعلم النيات وما في القلوب إلى الله..وإلا لماذا يُوجه النقد إلى قطاع بعينه ويغض الطرف عن أخطاء مثل الجبال في قطاعات ومؤسسات عديدة من مؤسسات وطننا المبارك.. وإلا لماذا يأخذ خطاب الكٌتاب صيغة التعميم حين النقد مع أن هذه الحادثة أو تلك حادثة فردية.. وإلا لماذا تشخصن القضايا وتوجه الأنظار إلى المسئول بدل أن يكون النظر مركزاً وبصورة مباشرة على موطن الخلل محل النقد، علاوة على أن الكاتب لا يعرف مهما بلغ من العلم والاحاطة الأولويات في العمل ولا يدرك حدود المسئول والمساحة التي يمكنه التحرك فيها في ظل النظام الحكومي المحدد لكل موظف، المهام والتبعات الحقوق والواجبات، مهما كانت مكانته ومركزه ومرتبته في السلم الوظيفي، وربما قال له هذا المدير سراً وفي لقاء خاص (لا أستطيع الرد لأنني حين أرد ألقي التبعة على من هو أعلى مني في جهازنا الخدمي أو ربما مارست النقد حين الإيضاح والبيان في الرد المطلوب على أداء جهاز خدمي آخر ذو صلة مباشرة في الموضوع) هذا ما يدور خلف الكواليس؛ فالمسئول يخشى ويحذر أشد ما يكون الحذر من الكُتاب المعروفين بتوجيه سهام النقد، وربما خطب ودهم وقربهم، وقد يرضخ لطلباتهم ويأمر بسرعة إنهاء معاملاتهم تأليفاً لقلوبهم وتقديراً لصاحب الزاوية المبجل، والكاتب يخاف من أن يحدث العكس فيخسر هو ومن يدور في فلكه المسئول ويترصد له صاحبنا في كل مصالحه التي ترد إلى القطاع الخدمي الذي يتربع على قمته.. صدقوني هذه هي العلاقة بين كثير من الكتاب مع عدد من قطاعاتنا الحكومية، وهذا هو ما يقال في الخفاء من الطرفين أو قريب منه، ولذا يتحاشى البعض من الكتاب المعروفين النقد إما مجاملة أو حذراً ف(الباب الذي يأتي منه الريح سده واستريح)؛ والمحصلة النهائية انعدام الأثر المطلوب من ممارسة النقد في صحافتنا المحلية، ويبقى ما يُكتب مجرد نشر غسيل لا يتحقق به إزالة الأوساخ التي علقت بجسد قطاعاتنا الخدمية إثر عرآك الحياة ودورة دولاب الزمن.. والمطلوب من الطرفين تصحيح النواي أولاً والصدق مع النفس ثانياً، والثقة في التوجه ثالثاً والمكاشفة والصراحة رابعاً، والانتقال من دائرة القول والدخول في النوايا إلى علاج مواطن الخلل والضعف خامساً والهدف أن تتم البيعة بين الطرفين) الكاتب والمسئول) عن تراضي منهما ويتحقق بإذن الله الإصلاح المطلوب لقطاعاتنا الخدمية في وطننا المعطاء.