كتبتُ مرة مقالاً في هذه الزاوية أتحدث فيه عن محاسن الأديب العربي الكبير المرحوم أحمد حسن الزيات، وعن فزعي حين بلغني نبأ وفاته في مطلع الستينات، مما حرصني في ذلك الحين، وأنا طالب في الصف الثاني الثانوي (أدبي) أن أنعيه نعياً حاراً ورقيقاً في آن، ثم اكتشفتُ بعد أيام أنه لم يزل حياً، فندمتُ لتصديقي النبأ وفرحتُ لنفيه!
**
وقد ختمتُ مقالي سالفَ الذكر بهذا القول:
* ((.. بعد مرور أكثر من أربعين عاماً في (إشاعة) وفاة الزيات، ومقالي عنه بعنوان (النجم الذي هوى) في صحيفة (القصيم المحتجبة)، أقر بملْء الوعي والإرادة أن في وصفي الزيات بأنه (كان نجماً فهوى)، افتئاتاً صريحاً على عبقرية الرجل وسيرته الأدبية المحلقة، ولذا أعتذر لذكراه ولآله ولتاريخه الأدبي، نافياً ذلك الوصف له، فالزياتُ رحمه الله كان نجماً ساطعاً، لكنه لم يهو ولن يهوى بإذن الله، لأن عطاءه البليغ حاضر لا يغيب في أفئدة من أحبوا أدبه وتابعوه نصاً نصاً. ومن قال إن الزيات قد مات فهو ظالم للرجل: أدباً وصيتاً وأثراً..)).
**
(2)
* وكتبتُ مرةً أتحدث عن (غياب الود) بين الشاب السعودي المؤهل والعمل في القطاع الخاص، متمنياً أن نشهد يوماً ولادة الصفاء بينهما!
وقد ختمتُ حديث ذاك بأربع أمنيات طموحات فقلت:
1) ((.. أتمنى أن نعثر على (معادلة سلام شامل ودائم وعادل) مع المهنة ننصف بلادنا بها ومنها، ونحقق عبرها ما نصبو إليه من اكتفاء يقيل عثرة الاعتماد على الوافد من الخارج..))!
**
2) ((.. وأتمنى أن نغرس في نفوس ناشئتنا، منذ الروضة حتى الجامعة، فضيلة العمل، حباً ورغبة والتزاماً! وأن نوظف موروثنا الخالد من الدين والأخلاق وسيرة الآباء والأجداد لبلوغ تلك الغاية..))!
**
3) ((.. وأتمنى أن نعيد قراءة تاريخ أسلافنا الذين عانوا قسوة العيش، وقهر الحاجة، فلم يثنهم ذلك عن العمل ليلاً أو نهاراً، وعاشوا كراماً ثم ذهبوا، وورثنا بعدهم أحلامهم في غد لم يبلغوه وصار لنا حاضرا..))!
**
4) ((.. وأتمنى على نشئنا الشاب أن يدرك عبر الموعظة والقدوة والمثال، أن الحياة عطاء وجهاد، وأن أصالة المرء في فعله، لا في حسبه أو نسبه. وأن الحياة ليست الوجبة الشهية التي لم يشق لتوفيرها، ولا في السيارة الفارهة التي لم يعرق لاقتنائها، ولا في الفراش الوثير الذي لم يأرق لبلوغه، ولا في الوظيفة المريحة التي يريد أن تقبل إليه طائعة مختارة يروضها، مكاناً وأداء، كيف يشاء!))
**
(3)
* وتحدثت ذات يوم عن (أجل) التقاعد في حياة الموظف، واصفاً إياه بأنه ليس كأجل الآخرة الذي لا محيص عنه ولا عودة منه، بل هو مرحلة انتقالية يشهدها الموظف، قد يحل مبكراً اختياراً، وقد يأتي استجابة لضوابط السن أو العجز أو كليهما!
* وفي كل الأحوال، رأيت أن المرء يجب ألا يستقبل التقاعد بقرع أجراس اليأس والقنوط. والانكفاء على النفس زهداً في العمل وانسحاباً، من ساحة الناس والحياة، وكأنه (الأجل الأكبر) الذي لا يستقدم ساعة ولا يستأخر، ثم ختمت ذلك الحديث بالقول التالي:
* ((.. إن التقاعد لا يعني اغتيال كرامة الموظف أو مصادرة إنسانيته، لكنه نهاية لبداية أو بداية لنهاية أخرى ضمن مشواره الحياة.. وهو في كل الأحوال ليس شهادة وفاة..))!