أسترجع تلك اللحظات التي أشاهد فيها أبا نواف - عبدالله بن سلطان الدويش - رئيس مركز الأرطاوية، أكتب لأن الأفكار طاوعتني والحروف انساقت معي الكلمات، وساعدتني الذاكرة، أكتب عنه وهو يتلقى العلاج في الولايات المتحدة الأمريكية، التي أرجو أن يعود من هذه المرحلة العلاجية وهو في أتم الصحة والعافية، كتابتي ليس إطراء، بل ناتجة عن تراكم لقاءات مع هذا الشخص المسؤول، بل لمحات تبرز أمامي، سمات شخصية له، طبع يتميز فيه، كلمات تذكرني فيه عندما تجمعني الصدفة وإن كنت مقلا في لقائه، دائماً سؤاله إذا قابلته عن والدي، هو الآن يرقد على السرير الأبيض بعدما داهمه المرض بغتة وفجأة ولكنه ولله الحمد، صامد بوجه المرض، متزن، صابر محتسب متفائل هذا هو طبعه دائماً وهذا هو نهجه وهذا هو طريقه.
كيف يأتي لك الانهزام يا أبا نواف وأنت من ذاك الشبل الذي هو من ذاك الأسد، خطوب الحياة تزيدك صبراً، آلام الحياة تزيدك تمسكاً، كدمات الحياة تزيدك مناعة، هكذا هم الرجال وهكذا تراكم الأيام والسنين عليهم زادهم صبرا وأعطاهم نصرا، الأيام الصعبة لا تعني لهم شيئاً، بل راسخون، متمسكون منتظرون الفرج الذي يأتي بعد الضيق، منتظرون اليسر الذي يأتي من بعد العسر، هي حياتنا تريد هكذا، نتعايش مع ظروفها، ونتقبل تقلباتها حتى تتحول آلامها إلى متع، وامتحانها إلى منح لنا، وابتلاءتها إلى نعمة، نعيش وسطها ونحن متعرضون لسهامها القوية التي تخترق أجسادنا، وأحياناً تمزق أحشاءنا، ولكن نواجهها بقوة صبرنا، وبزيادة تحملنا، أخبرنا عنها الله سبحانه وتعالى وقال: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}
حتى الخوف ابتلاء لنا، فكيف إذا بالمرض الذي يعتلي قامات الرجال وتنحني أمامه إلا من تسلح بالصبر وارتداء طوق الاحتساب ليكون نجاة له، الصبر الذي أوصى لقمان ابنه فيه وقال {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}، عزم الأمور ليس كل الرجال يستطيعون صنعه لهم، عزم الأمور يتطلب رجالاً أقوياء إذا عزموا توكلوا على الله حق التوكل.
طهور إن شاء الله يا أبا نواف وتعود إلى أرض الوطن سالماً معافى بإذن الله، الأرطاوية تبتهج بعودتك، وتنتظر قدومك، وتزف البشرى بسلامتك، صبراً أبا نواف وسوف تكون غداة الصبر ونهاره سعيداً، الحياة ليس بيننا وبينها عهد لتصفو لنا، ولم نبرم معها عقدا لتبعد عنا المنغصات، بل هي أكدار وآلام وآمال وأفراح وأتراح، وسعادة وشقاء، أمانينا فيها كبيرة، وأعمارنا قصيرة، نروح أصحاء ونغدو سقماء.
في رحلتك العلاجية أبا نواف، ويرافقك شقيقك الذي يتألم من آلامك، صاحب الخلق الرفيع المقدم نايف بن سلطان الدويش، تعود ونشاهد ابتسامتك وتواضعك الذي صنع لك المحبين من قريب وبعيد، تعود وتواصل نشاطك في مركز الأرطاوية، تعود ويعود إليك زائروك الذين حالت بينك وبينهم المحيطات، تعود وقد عادت إليك صحتك، تقبل مع صالة المطار وأنت تراقب علامات الفرح بوجوه أقربائك ينتظرونك، بعد أن كانوا يودعونك في تلك الصالة وهم يخفون حزنهم والمهم من أجلك، تقدم إلى الأرطاوية التي بينك وبين عهد طويل، ورفقة أبدية، الوفاء بينك وبينها، والعرفان يدفعك لخدمتها، أنت وفي لها وهي ممتنة لك، تحتفظ بالجميل لأهله، أنت لن تخذلها ولن تنسيها السنون جميلك، الوفاء والعرفان عندما يلتقيان في خندق واحد يشاهد الكل تضامنهما، ولن تزيدها السنون السمان سوى بهاء وجمالاً، تسأل عنك يا أبا نواف تراقب عودتك كل صباح، وتسأل كل قادم متى يعود أبو نواف؟؟!!
يبشرها ذلك القادم: قريباً سوف يعود وتحتضنينه، وهو ينعم بدفنك، قريباً سوف تشاهدينه، قريباً سوف تعانقينه، وهو ينحني لك، قريباً يأتي وهو معافى، وأنا أيضاً أقول قريباً تأتي يا أبا نواف ونشاهدك وأنت بصحة وعافية وسلامة، نشاهدك كما عهدناك بابتسامتك وصبرك وحكمتك، وطهور إن شاء الله، طهور بمشيئة الله، وتحية وفاء دائماً مني تتجدد لك أيها الوفي.