من شروط تبعيتنا لمحمد بن عبد الله - عليه الصلاة والسلام - محبته، ومحبته هذه تعني طاعته والاقتداء بسنته والسير على خطاه ومن سنته أن نيسر ولا نعسر ونبشر ولا ننفر ونحلم ولا نغضب إلا إذا حصل اعتداء على حدود الله. وفي الحديث: (عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - أوصني. قال: (لا تغضب) مرددا مرارا (لا تغضب) رواه البخاري، وبما أن نبي الأمة الإسلامية محمدا يوصيها ويحذرها من الغضب، فيجب عليها أن تأخذ بنصيحته وتعمل بإرشاده.. والغضب ينقسم إلى قسمين هما:
الأول: الغضب الذي تؤكد عليه الأحاديث الشريفة إذا انتهكت حرمات الله وتم الاعتداء على حدوده وفي الحديث (عن عائشة - رضي الله عنها - قالت ما خُيِّر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين قط، إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعدَ الناس منه، وما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه في شيء قط، إلا إذا انتُهِكت حرمةُ الله فينتقم لله تعالى) متفق عليه.
والمطلوب من كل مسلم في المواقف التي تُنْتَهك فيها حرماتُ الله أن يغيِّر المنكر طبقا لمنطوق الحديث الشريف الذي يشير إلى: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. ولذا لابد من العمل على إقامة الأوامر الشرعية فلا يتغاضى الوالد عن ابنه في شيء من حدود الله ولا يجامل الجار جاره إذا شاهد منه ما يسيء إلى حدود الله. والمسلم الذي ينتقم لحرمات الله عليه أن يأمر بالعدل والإحسان، ويتحلى بالصبر ويجادل بالتي هي أحسن مقتفياً المهمات التي أشاد بها الحديث في درجة إنكار المنكر لكي يكتسب الأجر والثواب من الله، وحينما ينتقم المسلم لله ويرتد المعتدي عن المحارم ردا جميلا إلى الطريق السوي بفضل الله ثم بفضل جهود من انتقم لله، فإن الله سيجازي كلا منهما الجزاء الأوفى ويسعد كل منهما بذلك فما أحلى الانتقام وما أحلى العودة إلى الله وما أحلى الجزاء من الله.
الثاني: الغضب الذي يمر بالإنسان في أمور حياته اليومية وهو الذي نهى عنه الرسول؛ لذا لابد من التناصح بأهمية الابتعاد عن الغضب وإلا قد يحول المرء من إنسان هادئ لطيف إلى إنسان يهون عليه السب والشتم واللعن وقد تثور أعصابه فيتحول الأمر من الكلام باللسان إلى أمور قد لا تحمد عقباها، فيتحول فعل القلب الرحيم إلى قسوة وشدة ويتحول اللسان الناطق بالشهادتين وبتلاوة القرآن والذكر والتسبيح إلى قول ألفاظ نابية سيئة.
فكم هي خسارة كبيرة أن يهبط الإنسان بنفسه بسبب الغضب إلى مستوى هابط في السلوك والمعاملة، وقد يحضر شيطان من شياطين الإنس في اللحظة الحرجة فيعقد الأمور فيتحول الأمر خطيرا والعاقبة سيئة ولهذا فما الذي يجنى من الغضب؟؟
إن الله مدح الصبر عند الغضب في مواضع كثيرة من القرآن الكريم {الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}فما أحلى الصبر وما أحلى العفو عند المقدرة وما أعظم قول الله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}فلابد من التحلي بالحلم والأناة.فالغضب قد يهدم ما بناه الإنسان طيلة حياته في لحظة واحدة وقد يسخط جميع من في البيت نتيجة لغضبه، فلابد أن يحلم ويجتنب الغضب. عن جرير سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من يُحرَم الرفق يُحرَم الخير كله).