في ظل عصر يتسم بالتعدية الاقتصادية والنمو غير المسبوق للاقتصاديات الناشئة في آسيا الوسطى، وأوروبا الشرقية، زاد الطلب العالمي على الطاقة بمقدار 6.% هي الزيادة التي رفعت الطلب العالمي على النفط ليتجاوز حاجز الـ 84 مليون برميل يومياً، وهو الأمر الذي دفع بأسعار النفط العام الماضي لتتجاوز حاجز الـ90 دولاراً، وفي غضون ذلك لم تكن دول الخليج بمنأى عن تلك التحولات الاقتصادية؛ فكان من الطبيعي أن يلقي هذا بظلاله على اقتصاديات دول الخليج النفطية، حيث يشكل عائد الصادرات النفطية 90% من قيمة عوائدها، حيث قدر معهد التمويل الدولي أن دول مجلس التعاون الست حصلت على دخل إضافي بنحو 540 مليار دولار في نهاية 2007، مما يفوق قيمة صادرات البرازيل والهند وبولندا وتركيا مجتمعة كل الصادرات مع الصادرة النفطية.
في حقيقة الأمر قد أنتج هذا الارتفاع غير المسبوق لأسعار النفط آثاراً كبيرة على واقع الاقتصادات الخليجية من خلال مستويات مختلفة؛ حيث تشير الإحصاءات (الصادرة عن صندوق) إلى ارتفاع الناتج الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي من 406 مليارات دولار في عام 2003 إلى 712 ملياراً في عام 2006، وإلى 790 ملياراً في عام 2007 ويتوقع أن يصل هذا الناتج إلى 883 مليار دولار في عام 2008، وذلك من خلال عوائد النفط العالية التي وفرت لدول الخليج وفرة مالية كبيرة جداً تقدر بنحو 170 مليار دولار، حيث بلغ فائض الميزانية السعودية بمفردها نحو 70.6 مليار دولار، ويتوقع المراقبون أن يتواصل أداء النمو الاقتصادي الخليجي ليصل إلى فوائض محتملة تقدر بنحو 500 مليار دولار في غضون عام 2010.
في ضوء ذلك يطرح التساؤل حول الكيفية التي اتبعتها دول الخليج في إدارة تلك العوائد حتى تصل إلى تلك المستويات العالية من النمو حيث شهدت خلال العقود الثلاثة الماضية تحولاً اقتصادياً واجتماعياً لم يسبق له مثيل.
من خلال تتبع السياسة المتبعة في توظيف تلك العوائد، نجد كافة المؤشرات المتعلقة بموازنات الدول الخليجية وموازين المدفوعات تشير إلى أن كافة الدول تعاملت مع ظاهرة ارتفاع الأسعار في البداية على أنها مسألة مؤقتة، وبالتالي رصدت مبالغ كبيرة للتعامل مع الطوارئ وسيناريوهات الانخفاض ولم تسارع إلى التوسع في الإنفاق العام الجاري، بل ركزت على مشاريع البنية التحتية، وخلق فرص العمل وتحسين المؤشرات الاجتماعية، حيث رفعت الرواتب بشكل تضخمي، ما يتراوح بين 15 إلى 30% في دول كثيرة، بالإضافة إلى عمليات تكديس الاحتياطيات الرسمية من العملات، والإبقاء على دين خارجي متدن نسبياً، وهو ما يبدى بوضوح من خلال ملاحظة أن دولة خليجية مثل السعودية قد تمكنت في السنوات الأخيرة من خفض ديونها، التي كانت تعادل 97% من إجمالي الناتج القومي إلى 41% من إجمالي هذا الناتج.
وفي غضون تلك السياسات كانت النتائج الصافية لهذا، أن الزيادات الكبيرة في دخل الفرد، دفعت نحو زيادة كبيرة في مستويات الطلب في الوقت الذي يعاني منه الاقتصاد الخليجي من ضعف في القدرة الاستيعابية له ليحدث عن ذلك موجات تضخمية تعاني منها حتى وقتنا هذا، ومن ناحية أخرى أدت مستويات السيولة القياسية إلى اتباع البنوك سياسة إقراضية غير مدروسة ومخالفة على ما هو متبع في الأسواق المالية الأخرى، وهو ما زاد من عمليات المضاربة - التي دفعت بالبورصات الخليجية خلال العام 2006 نحو ارتفاعات غير مسبوقة في التعامل بالأصول المالية والعقارية نتج عنها هبوط مفاجئ في تلك الأسواق نتيجة لعملية تصحيحية.
ولكن بعدما فاجأ الاقتصاد العالمي المراقبين باستمرار أدائه القوي وعدم تأثره الكبير بارتفاع أسعار النفط، الأمر الذي يعنى استمرار الطلب على نفس الوتيرة، أدركت بلدان مجلس التعاون الخليجي، أن إدارة عوائد النفط ستبقى تشكل ركناً أساسياً في السياسات الاقتصادية، فكان عليها أن تتبنى إستراتيجية تتسم بالحكمة والحيطة والحذر، على عكس التي أتبعتها في بداية تلك الطفرة وفي الطفرتين السابقتين في السبعينات والثمانينات، التي ذهبت فيهما السيولة إلى أيدي المواطنين وليس إلى العناصر الفاعلة في الاقتصاد، وأمام هذا أخذت بعين الاعتبار أن توظيف الثروة بهذه الطريقة لا يضمن استمرار النمو الاقتصادي، وأن الأولوية يجب أن تعطي الآن للتنمية المستدامة في قطاعات اقتصادية لا ترتبط بالنفط، خاصة في ظل الحقيقة المؤكدة التي تقول إن الثروة النفطية إلى نضوب، وإن اختلفت التوقعات حول الاحتياطيات العالمية، إلا أن دراسة لأوبك أكدت أن النفط العالمي سينضب جميعه عام 2050، وفي ظل توقع أيضاً أن يتراجع ثقل (أوبك) في العالم مع اشتداد الطلب على النفط، حيث تتوجه روسيا إلى زيادة إنتاجها أكثر من دول الأوبك، وكذلك المكسيك التي ما زالت تحافظ على منع الشركات النفطية الأجنبية التنقيب في أراضيها إلى الآن، ما يجعل حجم الاحتياطيات المكسيكية من النفط غير معلومة.
كما أن من الضروري أن تبدأ دول الخليج بلا استثناء إلى النظر مستقبلاً والتخطيط لمرحلة ما بعد النفط والغاز الطبيعي، فالتخطيطي طويل المدى هو من أهم محددات النجاح للقرار الاقتصادي، كما أن التحوط لسنوات انخفاض أسعار النفط هو من علامات الحرص والمسؤولية وتوقع الأسوأ لتقليل أثر أي هزة قد تأخذ مكاناً، وأمام هذا بدأت بالبحث عن تكنولوجيا جديدة في مجال الطاقة البديلة التي كانت لا تلقى الاهتمام الكافي بها، فأعلنت إمارة أبوظبي (الإمارات العربية المتحدة)، أنها ستستثمر 15 مليار دولار لإنتاج الطاقة النظيفة.
كما فكرت دول الخليج في تخصيص أجزاء من عوائد النفط تذهب إلى صندوق استثمار للأجيال المقبلة، صندوق استثمار لاستقرار عوائد النفط، صندوق استثمار للصحة والتعليم، وصندوق استثمار للطوارئ.
كما يضع التقرير المتخصصين في صورة الطفرة النفطية الثالثة وكيفية الإفادة منها استثماراً في بعض المجالات وأهمها التصنيع والذي يستوجب من دول المنطقة تشجيع ودفع القطاع الخاص للتخلي عن مخاوفه والإقدام على الاستثمار في هذا المجال الحيوي.
هذه الطفرة النفطية أدت إلى العديد من الآثار الإيجابية مجملة، منها:
- زيادة معدلات النمو الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي.
- التغلب على العجز في الموازنات العامة، فقد حققت السعودية فوائض في ميزان الحساب الجاري وصلت إلى 31.9% كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2006، بينما حققت الإمارات فوائض وصلت إلى 21.3%.
- التحسن في ميزان المدفوعات والميزان التجاري حيث أشار تقرير للبنك الدولي، صدر في 2006 ونشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية ملخصاً له، إلى أن الحجم الإجمالي لفائض الميزان التجاري لدول الخليج خلال 2006 وصل إلى 172.7 مليار دولار، كما قدر تقرير لمؤسسة (ميرل لينش) العالمية حجم الفائض في الميزان التجاري للدول الخليجية خلال الفترة بين عامي 2005 و2007 بنحو 65 مليار دولار، وهو ما يزيد على فائض الميزان التجاري الصيني الذي يقدر بـ55 مليار دولار.
وعلى ضوء ما سبق، فقد لاحقت دول الخليج بركب الاقتصاديات الصاعدة، وقد استفادت من أخطائها السباقة، وأكد على ذلك تقرير لمعهد التمويل الدولي بأن إذا ما استمرت الطفرة الراهنة، فإن التكتل الخليجي سيصبح سادس أكبر اقتصاد في العالم بحلول سنة 2030 حتى في حال تراجع أسعار النفط، فإن الزخم الناجم عن الاستثمارات الهائلة للقطاعين العام والخاص سيواصل مساندته للنمو الاقتصادي والعمالة البشرية.
asa5533@hotmail.com