الحوار مبدأ مهم من مبادئ التعامل مع الآخر. وبدونه لا يمكن فهم الآخر على حقيقته، ومن ثم التعايش معه من أجل عالم ينعم بالسلام، والاستقرار والطمأنينة. ومشكلة عالم اليوم، أنه تغلب عليه لغة القوة على لغة الحوار، وبعد أن انهار الاتحاد السوفييتي في أوائل تسعينيات القرن الماضي بشر البعض بمرحلة جديدة من السلام أو ما أسماه الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب بالنظام العالمي الجديد، كما بشر بعض المفكرين الغربيين وعلى رأسهم فرانسيس فوكوياما -الأمريكي من أصل آسيوي- بنهاية التاريخ وذلك بانتصار الديموقراطية وفق المفهوم الغربي.
ولكن الحقيقة بالغة المرارة انكشفت مع الوقت وهي أن الشعوب ما تزال مهددة بمخاطر الحروب المتكررة، والنزاعات المسلحة المتعددة، تحت مسميات جديدة، وعناوين أخرى. وآخرها مسمى الحرب على الإرهاب، ومبدأ من ليس معي فهو ضدي وهو المبدأ الذي يغلب الشك وسوء الظن بالآخرين، ليكون على حساب مبدأ الحوار العقلاني، والدبلوماسية الواعية. وبنظرة بسيطة على جغرافية الأزمات يجد المتابع أنها ناشئة عن الاختلافات الدينية، والسياسية، والإثنية، وغيرها من الاختلافات التي كان يمكن أن تكون سببا للتبادل الثقافي، والتنوع الفكري، بدلا من أن تكون وقودا للحروب.
ولذلك أكد خادم الحرمين الشريفين في أكثر من مناسبة على أهمية الانفتاح على الآخرين، والتحاور معهم، من أجل مد جسور التعاون بين الشعوب والحضارات، فذلك يكفل بإذن الله تعالى حفظ البشرية من آفة الحروب والصراعات. وليس غريبا أن تصدر من المملكة دعوات لعقد المؤتمرات الحوارية التي تجمع بين مختلف الأديان ولاسيما الأديان السماوية، لأن في مثل هذه المؤتمرات يمكن كشف كثير من المغالطات التي تصورها بعض وسائل الإعلام العالمية، والتي تشدد على ما يسمى بصراع الحضارات، هذه النظرية التي قال بها المفكر الأمريكي صامويل هانتينجتون ليحول الصراع من السياسي إلى الديني وهو ما يجعل الصراع أخطر بكثير من السابق. ومن هنا تنبع أهمية دعوة الملك عبدالله حفظه الله إلى التحاور بين أتباع الديانات السماوية، من أجل التأكيد على أن هناك قواسم مشتركة يمكن التأكيد عليها، والبعد عن نقاط الخلاف، أو حلها عبر الحوار العقلاني المدعوم بالشواهد والأدلة. وهو مبدأ تلتزم المملكة به في سياستها منذ تأسيسها على يد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز.
وما من شك في أن الحوار الديني سيجعل الآخرين يطلعون على حقيقة الإسلام، وكم من مبغض لهذا الدين الحنيف أسلم وتحول إلى مدافع عنه بمجرد أن اكتشف الحقيقة بعد أن طرح جانبا الأحكام المسبقة المغلوطة. إن الحوار مبدأ مهم في جميع نواحي الحياة، ليس على المستوى الدولي أو السياسي أو الديني فحسب، وإنما على المستوى الاجتماعي الذي يشمل أفراد الأسرة الواحدة.
*****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244