Al Jazirah NewsPaper Thursday  27/03/2008 G Issue 12964
الخميس 19 ربيع الأول 1429   العدد  12964
بوصلة.. لعالمه المفقود
د. محسن الشيخ آل حسان - الرياض

يحدثني صديقي كيف تحاربه الظروف، وتعاكسه الأقدار وتسيء له التصرفات، وتتحول جميع أعماله وتصرفاته إلى (لاشي).. لا أستطيع أن أنجز عملاً دون الاستعانة بالآخرين (يقول صديقي).. وبدا يتحدث عن تعاسة ظروفه.. فقال: طلبت مني زوجتي أن أثبِّت لها بعض المسامير في المطبخ، لكن مطرقتي لم تكن موجودة في صندوق العدة، كما لم تكن موجودة في أي مكان آخر من المنزل.. وأنا أبحث عن المطرقة كسرت طبقاً وكأساً زجاجياً، فأخذت أبحث عن المكنسة، لم تكن موجودة في خزانة المطبخ كيف يمكن أن تختفي مكنسة الأرض بهذه السهولة؟ الغريب في الأمر (يقول صديقي) إن زوجتي بعد عودتها من المدرسة جاءت لترتب غطاء السرير عثرت بالصدفة على المطرقة المفقودة.. سألتني زوجتي: ما الذي جاء بالمطرقة هنا؟ قلت لها: ربما كانت تستخدم كأداة مساعدة على النوم.. الله أعلم (ها.. ها.. بايخه يا صديقي.. قالت زوجتي).

في اليوم الثاني، وقبل ذهابها إلى المدرسة طلبت مني زوجتي أن أبحث لها عن خاتمها والذي فقدته ليلة البارحة على السرير أو أسفله، وبدأت بحثي على السرير، رفعت جميع ما عليه من شراشف وبطانيات ومخدات وباختصار، فتشتهم قطعة.. قطعة.. فلم أعثر على خاتم زوجتي.. ثم نظرت أسفل السرير وإذا بي أجد مكنستي الهاربة هناك!!! لذا قررت الزحف تحت السرير وبمساعدة المكنسة ربما أجد خاتم زوجتي المفقود، ولكني بدلاً عنه عثرت على فأر ميت، كذلك أعواد شرب العصير، علكة، شاحن جوال, وأشياء أخرى كثيرة كنت أبحث عنها منذ مدة طويلة.. لكن ليس من ضمنها الخاتم.

فكرت في خاتم زوجتي، وكيف أنه قد يكون تحت إحدى وسائد (الكنب)، التي اعتادت أن تجلس عليها لتصحيح كراريس طالباتها، ثم بدأت البحث وأنا أتمنى أن أنجح هذه المرة، رفعت وسادة تلو الأخرى وماذا وجدت؟! عملات معدنية، أقلاما متنوعة، أغطية زجاجات ماء.. وبعض الأشياء ليس بينها الخاتم أيضاً. مضت فترة طويلة من البحث ولم أجد ما أبحث عنه، فوضعت رأسي بين يدي وأخذت في البكاء بصوت عال وأنا لا أدرى كم من الوقت ضاع مني وأنا أبحث عن الخاتم حتى صرخت بأعلى صوتي: (يا رب ساعدني وأهدني إلى خاتم زوجتي).. وإذا بزوجتي تدخل علي وابتسامتها مفروشة على وجهها وهي تقول: (آسف يا حبيبي.. لقد وجدت الخاتم.. قلت لها: أين وجدته؟ قالت وهي تبتسم: وجدته يا حبيبي على إصبعي)..

كانت تلك قصة صديقي الذي ارتاح حينما اكتشف أن زوجته أكثر بلاهة منه (كما قال) وهو في حاجة ماسة إلى (بوصلة) ترشده إلى ما يضيع منه.

أما الكاتب والشاعر الأمريكي جيمس تيت فقد اقترح على كل إنسان أن يرسم لنفسه خريطة تدله على عالمه المفقود؛ حيث قال: إذا فقدت شيئا وأنت تبحث عنه، فاجلس ساكنا.. ودع أفكارك تحلق بك فوق الغيوم، وحاول أن تسترجع صورة الأشياء المفقودة في شريط استعراضي ممتع.. وتذكر أن هناك آخرين يشاركونك النسيان وربما هم (أسوأ) منك..بعدها ستجد ما تبحث عنه.. أخيراً يقول السيد تيت: صدقني يا صديقي فقد مررت على هذا الدرب (درب النسيان) مراراً.. وأنا أقول للشاعر الكاتب الأمريكي جيمس تيت أصدقك.. ولكن صديقك.. من صَدَقك.. لا من صدَّقك.

ناصر بن عبدالعزيز الرابح



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد