الكل أُصيب بصدمة وخيبة أمل، من نتائج التقارير الدولية عن واقع التعليم في المملكة العربية السعودية، مقارنة مع غيرها من دول العالم، والمؤسف أنّ هذه النتائج تواترت من التعليم العالي إلى التعليم العام، وقبلهما نتائج الطلاب في الاختبارات الدولية للرياضيات والعلوم ( timss )، حيث كان ترتيب المملكة في مؤخرة الرّكب، أتى بعدها دول إفريقية لو ذكر اسمها لما تصوّر السامع موقعها على الخارطة الجغرافية لأفريقيا .
إنّ حالة التردِّي والضّعف التي يعانيها التعليم في المملكة ليست حالة شاذة، إنّها حالة عانت منها كثير من الدول وتغلّبت عليها، ومازال كثير من الدول يعاني حتى الآن من ضعف في مخرجات التعليم ومؤشّراته.
وطالما أنّ الشكوى من تردِّي مخرجات التعليم حالة عالمية متواترة متكرّرة، وأنّ كثيراً من الدول استطاعت أن تتغلّب على الحالة، وقد أثبتت مخرجات التعليم في هذه الدول قدرة فائقة على تحقيق النجاح والتفوُّق، بعد سنين من التأخُّر والفشل، ولكون الخبرة العالمية متاحة ميسّرة لذوي الرغبة والهمّة والإرادة الصادقة في التصدِّي والمعالجة، فإنّه من نافلة القول التنويه إلى أهمية بل وجوب الاستفادة من هذه الخبرات، وتوظيفها في انتشال التعليم من حالة التردِّي المزمن، والتخبُّط الواضح في تلمُّس الأساليب والكيفيات المعينة على المعالجة وتحقيق النجاح.
في البدء يجب الاعتراف بأنّ الحكم على تأخُّر التعليم في المملكة ليس مبنيّاً على مؤشرات كمية فقط، سواء كانت قديمة أم حديثة، وإن كان الأمر كذلك، فهذا يرجع إلى التعارض والتناقض بين المعلومات الإحصائية لدى وزارة التربية، وما لدى مصلحة الإحصاءات العامة، ولا لوم على المؤسسات الدولية في هذا التعارض الذي طالما شوّه صورة الواقع الفعلي لكثير من الإنجازات، بسبب تناقض (المعلومة الإحصائية ) لدى الجهات المختصة في المملكة، مقارنة بما لدى مصلحة الإحصاءات، ولهذا يجب تصحيح المعلومات الإحصائية المتناقضة بين الجهة المختصّة في وزارة التربية والتعليم، ومصلحة الإحصاءات، بحيث تزوّد المنظمات التربوية الدولية وغيرها من جهات الاختصاص، بالمعلومات الإحصائية الحديثة الصحيحة، عن الإنجازات الكمية، ومدى ما تحقّق منها في التعليم العام على مستوى المملكة كلها، وتحديث هذه المعلومات دورياً، بعد كل مستجد وجديد يتحقّق سنوياً، فالتعليم في بُعده الكمي يُعَد متقدماً وبصورة يدركها المعنيّون بالتربية والمشرفون عليها، فقد عمّ التعليم كل بقعة في المملكة، وكل طالب وطالبة في سن التعليم يجد له مقعداً مهيأً مناسباً مهما كان مكان الطالب بعيداً أم وعراً، كما وفّرت المستلزمات التعليمية المعينة، لدرجة أنّ بعضها ظلّ حبيساً في المستودعات يعلوه التراب، إمّا لكثرته، أو لعدم القدرة و الاستعداد المناسب للاستفادة منه، أو بسبب عدم تهيئة المختصين وتوفيرهم لاستخدامه.
بل أكاد أجزم أنّ إحدى معضلات التعليم وأسباب تأخُّره هو التوسُّع في فتح المدارس بصفة غير منضبطة، مما أدى إلى أنّ تكلفة الطالب في بعض مدارس القرى والهجر تكلِّف ميزانية التعليم مبلغاً يصل إلى أربعين ألف ريال سنوياً أو يزيد.
ولهذا يجب أن تحدّد وبوضوح تام أين تكمن مشكلة التعليم ؟، وأين يتجه ؟ هل مشكلته في مؤشّراته الكمية ؟ أم في نواتجه ومخرجاته ؟ وهل يتجه التعليم إلى مزيد من التأخُّر في المزاحمة على المراتب الأولى ؟ أم إلى انحدار وفشل ؟
إنّ حالة التعليم تقتضي مكاشفة ومصارحة وصدقاً في المواجهة، وليس في البحث عن المسوغات والأعذار، واتهام المؤسسات الدولية بأنّها اعتمدت على معلومات مضلّلة قديمة، وأحياناً غير صحيحة، وخروجاً من هذا المأزق المعلوماتي يجب التنسيق المسبق بين قطاعات الدولة ومصلحة الإحصاءات العامة، حول توحيد المصطلحات والمفاهيم، والأُسس التي تبنى عليها المعلومة واعتمادها للتداول داخلياً وخارجياً.