ونحن نستقبل من أمرنا أفدح مما استدبرنا بعد خمس أعوام عجاف من الهجمة المكارثية الأمريكية على منطقتنا مرة باسم الشرق الأوسط الكبير ومرة باسم الشرق الأوسط الجديد ومرة باسم الفوضى الخلاقة بينما مسماها الميداني الدقيق الفوضى الهدامة بما حول معه الاحتلال الأمريكي للعراق في بروفة أولى أو تجربة بدائية في همجيتها إلى أرض
خراب لتعميق الخراب وفتح مزيد من جبهاته باتجاه المنطقة هل بقي منا من يشك مهما بلغت به السذاجة السياسية أو خطأ الحسابات في النوايا و الأدوار الأمريكية المركبة المبيتة قليلا والسافرة كثيرا دون ضمير أو حياء، هل لا يزال من مجال سوى الضحك حتى الدوار أو البكاء حد الانتحاب أو اللطم بما يفوق ندامات كربلاء ليس على وعود أمريكا باقامة جنة الديموقراطية الغربية على أرض العراق وإن تبدت إلا على المستعمين تكاذيب السراب بل على أولئك الذين راهنوا على ذلك الاحتمال الذي كان واضح من ماقبل البداية أن تصديقه ليس أكثر من خرافة أدعاء معانقة العنقاء.
هل لنا أن ننسى أو نغض الطرف عن تلك الصور التي كان ترسمها الإدارة الأمريكية بمخيال استشراقي استعماري أوربي كمقدمة لاحتلال العراق عن توقع استقبال شعب العراق لجيشها الغازي بالورود ورش الأرز والحنطة على خوذات الجنود وهم يرفعون العلم الأمريكي على أنقاض البصرة والموصل وبغداد لنقول أنها مجرد خيبة أمل أخرى ليس إلا في سجل الخيبات التراكمي لواقع العالم العربي منذ بكاء عبدالله الصغير على هضبة التنهدات بغرناطة ومنذ أن ردد (بن جريون) و(جولدا مائير) تلك المقولة الصليبية المتصهينة عند باب بيت المقدس بالقدس (هاقد عدنا ياصلاح الدين) وإن لم يمكن بالإمكان بطبيعة الحال أن تقصر الرؤية لذلك كانعكاس لحروب ذات طابع ديني بل لا بد من رؤيتها في سياق الهجمة كواحد ليس إلا من مكونات بنية خطاب الهيمنة والاستحواذ مع تعدد وتعقد ومركزية العمق السياسي والاقتصادي وتشابكهما مع المكون التاريخي والجغرافي للمنطقة في العلاقة الاستحواذية والاستنفاذية التي يعمل ذلك الخطاب على فرضها للمنطقة.
إلا أن المحير ومثار الأسئلة ليس ما انكشف لحد الفضيحة من سوءة الاحتلال ومقدم أمريكا بمارينزها ومذلاتها ومقاتلاتها وسجونها وفرق التعذيب وخبراء إشعال الفتن المذهبية وسعارها النفطي إلى المنطقة وإقامة محمية وحشية على أرض العراق على حساب حلم السلم اليومي لشعبه بل أن المحير لماذا بعد مرور خمس سنوات من اشتعال الحريق بنا لا نزال في نفس الدرك من التشتت والانقسام وانعدام الرؤية على مستوى الخطاب السياسي والثقافي معا في النظر للكارثة الأمريكية على المنطقة دون أن نستطيع بل مع عجز تام عن تطوير أطروحة نظرية على الأقل لفهم وتحليل طبيعة مايجري على أرضنا.
هذا ليس إلا سؤال واحد من وسواس الأسئلة التي لن نستطيع إلا اجترار الكلام عن احتلال أمريكا للعراق عام بعد عام وربما توسع رقعة الاقتتال باتجاه مزيد من حبال العنق مالم نعمل على البحث في أطروحة فكرية وسياسية عقلانية متماسكة تبحث فيها وتحاول الإجابة عليها.
وأختم بشيء من أخيلة ونبؤاءات الشعر بالتطاول على الهزيمة وإن طال الزمن.
هل أرض الخراب الأخيرة
ستة أيام تشخب دما
توضئ هامات النخيل من خطايا لم يقترفها
تسعة أيام على عرش العدوان
وبلاد ممشوقة بالحصار
ترتع في حرير الحريق وغيومه الماطرة
سبعة أسابيع من غدر الغارات بالأحياء
لاتشفي غل التتار
طيور جارحة
تحرك أجنحتها بحنان حارق
فتساقط صواريخ ذكية
لا تؤذي إلا الأجنة
تنقط قذائف نظيفة
لا تلوث إلا الفرات ودجلة
قنابل نبيلة تتحرى الدقة
فلا تقصف إلا ظهور الرجال
نحور النساء
حنطة الخبز
وحليب الرضع
لا يبرئ قروح أحقادهم
قصف الهواء
قتل الماء
شرب الراح في جماجم حية
أربعة أشهر وعشرة أيام عثة العدوان عبثاً
تطفأ شمس العراق
تمزق شعب العراق
تسرق سامراء
وتزين أفلام السهرة بوجوه أطفال متفحمة
ستة أشهر لتحويل حضارة بابل إلى جحيم بواح
لا يطفئ شهوة الجيوش
شب رعب الألعاب النارية في
عيون ملوعة بالطاعات
يتلذذ الجنود بوداعة الضحية
يستمتعون بعداوتهم البريئة
يعلجون جثث الموتى
أطراف الأطفال
بكارة البنات
خواتم الخطبة
الحروف السومرية
ويعبون أعناقا مقطوعة للتو
ثلاثة أعوام
عدوان يستجمع عافيته من مخازي التاريخ
يحلق شعر القصائد
يعطن رائحة العطور
يعدم مواعيد الغرام
يمنع التجوال
يهدي الأطفال موتا رؤوما في عيد الأم
يسعى لتصفية أنشودة المطر رميا بالرصاص
يتلذذ بقتل شهرزاد في غرف الغاز
ينتشي بحرق حدائق بابل حية على الهواء
لا يستريح إلا أن يمحو الهواء من الهواء
فمن
من يمزق صحيفة الحصار
من يستعيد لجنود الأعداء انسانيتهم
من يعيد للحرية سمعتها
من يقاوم أرباب الخراب
أسل أسئلتي
ولا أسدل الستار
مشهد ليس أخير
هلة التتار
فجر شفيف
يتشفى الظلام في تحوله إلى
حلكة داكنة
وليل دامس
على أيدي
جيوش متحضرة رحيمة
تجشمت عناء عبور القارات
وجاءت من غابة بعيدة
لا لشيء
إلا
لتوزع بعدل آجالا عاجلة
على أطفال متوحشين
وبروح حضارية عالية
تعيد مجد التتار
إلى أرض العراق
Fowziyah@maktoob.com