ذكرت فيما سبق بتاريخ 21 من مارس 2008م في العدد 12958 من جريدة (الجزيرة) أن التخييم في البر، عادة يتوارثها الناس في الجزيرة العربية، وبخاصة في موسم الربيع وموسم الأمطار، عندما تتزيّن الصحارى بغطاء أخضر، فسبحان الله، تنقلب الأراضي الجرداء إلى مسطحات خضراء...
تفوح بأنواع الزهور المختلفة الألوان، لذلك عند هطول الأمطار على المملكة في موسم الربيع، يستبشر ويفرح بها كل فئات المجتمع السعودي من حاضرة وبادية، ونحن الآن عند بداية الربيع، والأيام القادمة ستشهد هذا الموسم الربيعي الخلاّب بعد سقوط الأمطار - إن شاء الله -، وسيتمتع الجميع بالتخييم في البراري والصحارى والروضات الخضراء، التي يرتادها الآلاف من العائلات، لعدة أيام أو لعدة أسابيع متواصلة، البعض يتمتع بالمشي، يلهو مع الأصدقاء، والبعض يبحث عن الفقع.. إنها المتعة حقاً.. ويُقال (الحلو ما يكمل).. فهناك خطران من التخييم.. خطر على البيئة، وخطر على المخيمين ومرتادي الصحراء نتيجة جهلهم بأمور السلامة فيها وسنتحدث اليوم عن أمور أخرى من تلك الأخطار.
وتذكَّروا أنكم بذهابكم للتخييم، تنتقلون من بيئة إلى أخرى لها مخاطرها، وجوانبها الخفية.. ولأنك ذاهب للصحراء وستترك المدينة بمرافقها المختلفة، فعليك قبل الرحلة التأكد من رفيق رحلتك وهي السيارة، فلها احتياجات مختلفة، يجب عليك التأكد منها، مثل ماء البطارية، وأن رديتر السيارة سليم ومليء بالماء، كما تأكد من زيوت السيارة، الماكينة والدركسون والفرامل والكلتش، والجير، وغير ذلك كما تأكد من هواء الإطارات حتى الإطار الاحتياطي، حتى لا يتسبب نقصانها في تعطلك في وسط الصحراء الذي قد يودي بك للهلاك.. كما تأكد أنك تحمل رافعة وكذلك قطعة من الخشب القوي أو الحديد الصلب لوضعها تحت الرافعة في المناطق الرملية، وخلاف ذلك.. ضعها في رأسك، إنه من الضروري أخذ دقائق لفحص سيارتك والتأكد من أن كل شيء على ما يرام، قبل طلوعك للبر، فهذه الدقائق قد تكون سبباً في سلامتك.. وإذا كنت ستسير في مناطق صخرية وعرة فاحذر من الصخور المسننة وتجنبها، كما يجب الحذر عند المرتفعات الجبلية فقد يعقبها منحدرات شديدة.
أما إذا كنت في مناطق رملية فيجب أن تكون العربة مزودة بدفع أمامي وخلفي، ويُفضل أن يكون هناك سيارتان أو أكثر، وتجنب أن تسير كل السيارات متلاصقة، بل تبتعد كل واحدة عن الأخرى بما لا يقل عن مائتي متر من بعضها، لمنع تغريزها جميعاً في منطقة واحدة إذا توقفت الأولى، كما لا تحاول أن تفرمل في المناطق الرملية، وحاول السير في خط مستقيم، كما تجنب طلوع الكثبان الرملية، وإذا علقت في أحدها فارجع للخلف وابحث عن طريق آخر.
وإذا شعرت بأن إطارات السيارة تغوص في الرمال فلا تحاول أن تدوس على دواسة البنزين، ففي هذه الحالة انزل من السيارة وانقص من هواء الإطارات، وأزل الرمال من أمام وخلف الإطارات، وضع بعض الأعشاب والحشائش والأغصان الصغيرة أمام وخلف الإطارات، خذ وقتك، ولا تستعجل، فأهم ما في العملية أن لا تستعجل ففي العجلة الندامة، لأنك إذا استعجلت ما طلعت، واستعن بمن معك لدفع السيارة، كما أنه إذا كانت السيارة مزودة بدفع رباعي، فعشّقها على (H4) أو (L4) وتأكد من فصل الدبل بعد الخروج من منطقة الرمال.. وإذا كان غوص العجلات شديداً، فاستعن بالرافعة اليدوية، وتأكد قبل استعمالها أنها على شيء صلب يمنع غوصها في الرمال.
لقد حزّ في نفسي ما قاله لي أحد الأجانب في يوم من الأيام، إن السعوديين غير متحضرين، وعندما سألته لماذا؟ قال: زرت ودياناً كثيرة في الجزيرة العربية، في كل من السعودية وعمان وبعض الدول الأخرى، فهل تصدق أن وديان المملكة وبراريها من أقذر الوديان والبراري في الجزيرة العربية، وإن أغلب من يرتاد الصحراء والبراري من السعوديين يتركون مخلفاتهم في المكان الذي يخيمون فيه، وذلك يُعتبر مظهراً غير حضاري، وعندما انتهى من حديثه، لم أستطع أن أُدافع عن تحضُّر بعض السعوديين.. لذلك ولكي نحسّن صورتنا أمام الآخرين ولنحافظ على نظافة بلادنا وعدم خدش كرامتنا ووصفنا بأننا غير متحضرين، علينا أن نحرص على نظافة صحارى وبراري ووديان بلادنا الحبيبة، وأن نبدأ في مكان المخيم، وداخل الخيام وتنظيف المخيم باستمرار ووضع بقايا الأطعمة والمعلبات الفارغة داخل أكياس ونغلقها، ونضعها في أماكن خاصة بالنفايات بعيداً عن المخيمات، وإذا لم تُوجد فنحملها معنا في السيارة ونرميها في أقرب مكان مخصص للنفايات بالقرب من المدن عند العودة، لا تطلب من الخدم ذلك، بل اطلب من أولادك أن يقوموا بعمل ذلك، حتى يتكون لديهم حس وطني ينتقل لأطفالهم من بعدهم.
هل تعرفون لماذا يجب أن نفعل ذلك؟ نعم حتى لا تتلوث البيئة على مر الزمن، وتصبح مصدراً لتكاثر الحشرات والقوارض، وبالتالي تكثر وتتواجد الثعابين السامة في مناطق التخييم، وتصبح خطراً على المخيمين حاضراً ومستقبلاً، كما يجب تنظيف الأواني جيداً حتى لا تكون مصدراً لنقل عدوى الأمراض بين أفراد المخيم.
اقتطع دقائق للنظافة، فالنظافة من الإيمان، تلك الدقائق قد توفر عليك ساعات من الحزن والألم وغير ذلك مما أنت في غنى عنه.
وعند نصب الخيام ابتعد عن بطون الأودية، وبخاصة في مواسم الأمطار، حتى ولو كانت المنطقة التي أنت فيها لا تغطيها الغيوم، فالسيول قد تأتي فجأة وبدون مقدمات من مناطق بعيدة عنك كما ذكرت ذلك في مقال سابق عن العواصف الرعدية.
وتأكد عندما تعمل التوصيلات الكهربائية في الخيام، فيجب مراعاة أن تكون داخل أنابيب خاصة مرفوعة عن أرضية الخيمة، وأن لا تمر تحت السجاد أو الفرش، كما يجب أن لا تكون الأسلاك عارية حتى لا يحصل تماساً كهربائياً قد يتسبب في حريق - لا قدر الله -.. ومن المطالب الضرورية وجود طفاية حريق جديدة ومعبأة، داخل المخيم، وتعريف بعض أفراد المخيم بطريقة استعمالها.
في الشتاء يجب استعمال وسائل التدفئة والطهي غير الحطب أو الفحم، وإذا كان لا بد من استعمالها فيجب إشعال النار خارج المخيم في موقد، وفي مكان حيث إن أي شرار متطاير تبعده الرياح عن موقع المخيم ويجب عدم استعمال البنزين أو الكيروسين في إشعال الحطب، حتى لا يتسبب في حدوث حريق لمن يشعل النار بسبب عدم توخي الحذر، ويستعمل بدلاً عنه قوالب الكيروسين الجاف في عملية الإشعال.. كما أن إشعال النار داخل الخيام فيه خطر شديد، حيث إن الشرار المتطاير أثناء الاشتعال قد يتسبب في إشعال الخيمة، مثل ما حدث في المشاعر المقدسة منذ عدة سنين، وقد تتسبب سرعة الرياح في سرعة انتشار النار، بحيث يصعب التحكم والسيطرة عليها.. ويجب إفهام الأطفال بخطورة عملية الإشعال، لذلك يجب أن يكونوا جميعهم بعيدين عن موقع الإشعال، وأن ينقل الجمر فيما بعد بحذر لداخل الخيمة بعد تحول الحطب أو الفحم كلياً إلى جمر أحمر، وتذكّروا أنه عند النوم، يجب إطفاء الجمر والتأكد من ذلك بصبّ بعض الماء عليه، حتى لا تتسبب في وفاة مَنْ في الخيمة بالغازات السامة الناتجة من الاحتراق.. كما يطلب من الأطفال أن يكونوا حذرين، وذلك بعدم اللعب بالألعاب النارية في منطقة المخيم، بسبب أن بعض الحرائق في السابق حدثت بسببها، كما أنها قد تسبب كوارث قد تصل إلى فقدان البصر أو حرق الأيدي أو الملابس لهؤلاء الأطفال الذين يشعلونها، فيحصل ما لا يحمد عقباه من حرائق وإصابات جسيمة مروعة تقلب حالة هذه المخيمات من فرح وسرور إلى مآسٍ وأحزان، لذلك يجب أن يكون لعب الأطفال بتلك الألعاب تحت إشراف شخص بالغ حتى ينتهي من اللعب بتلك الألعاب النارية بسلام.
ومن الضروري عند الانتهاء من التخييم عدم ترك أي قطعة حطب أو فحم مشتعلة، لأنه في كثير من الأحيان، ينتقل الشرار منها بواسطة الرياح إلى المناطق المجاورة، خصوصاً إذا كان فيها عشب جاف، فتحدث الحرائق التي تترك أثراً واضحاً على البيئة قد يستمر لسنوات طويلة.
وتذكَّروا أن الطبيعة قد تكشّر عن أنيابها، حيث تتسبب الرياح الشديدة بنقل الأتربة والغبار وتسبب العواصف الرملية، التي تتسبب في مضايقات شديدة لمن يجوب الصحارى، هذا فضلاً بالطبع عن المشاكل الصحية الجسيمة التي تسببها هذه الأتربة والعواصف للأفراد، حتى أطلق عليها بعض الأطباء (الحساء الكيميائي) لما تحويه من ميكروبات حية تسافر لآلاف الأميال، وبها كميات من الزئبق والزرنيخ والرصاص وأشياء ضارة عديدة لا تُعد ولا تُحصى، على حد وصفهم.. وقد ذكر أن درجة الحرارة العالية والعواصف الترابية على رأس الأسباب والمخاطر في الصحراء، تليها المخلوقات الضارة التي تعيش في الصحراء.
وللعلم، عادة تهب في بعض المناطق في الفترة من أبريل إلى أوائل يوليه عواصف ترابية جافة تصل سرعة بعضها إلى أكثر من 50 كم في الساعة تتبعها رياح ساخنة أخرى تُسمى (رياح الشمال) قادمة من الشمال والشمال الغربي في نصف يونيه إلى نصف سبتمبر.. ورياح السرايات عادة ما تهب في أبريل، أما رياح البوارح فتهب عادة في يونيه.. ورياح الشمال تهب بسرعة قد تصل من 60:50 كم في الساعة، ويسبب ترابها وغبارها مشاكل صحية جمة خصوصاً لمن يُعاني من الربو، وقد تحجب الرؤية عن المسافر إلا لبضعة أقدام.
من المستحسن أن يُوجد بعض الأشخاص في المخيم لديهم إلمام وفهم بالإسعافات الأولية، مع وجود شنطة طبية تحوي الشاش المعقم ولصاق الجروح والمطهرات للجروح والأربطة ودهاناً للجروح وبودرة وكذلك أدوية مسكنة للألم مثل الباراسيتامول على شكل أقراص للكبار أو شراب للأطفال، ووجود أقراص للمغص وشراب للكحة وغيرها من الأدوية الصيدلانية التي تُؤخذ بدون استشارة طبية.. فالجميع معنيون ومطالبون بالمساهمة في تحقيق الأمن والسلامة العامة والخاصة ودفع الضرر كما ذكرت سابقاً.. وانتبه لصحتك، فلا تشرب الماء المثلج وأنت حرّان، حتى لا تُصاب بالزكام والرشح اللذين من الممكن أن يتحولا إلى إنفلونزا والتهابات رئوية يصعب علاجها وبخاصة عند الأطفال والمسنين، والبس ملابس واقية من البرد عندما يحل المساء.. ولا تتعرض أنت وأطفالك للشمس لمدة طويلة خصوصاً في أوقات الظهيرة حتى لا تُصاب بضربة شمس كما ذكرت في المقال السابق.. كما أن المشي في الحر لمسافات طويلة لمن يتسمون بالسمنة قد يعرضهم لالتهابات وتسلُّخ ما بين الفخذين، وأفضل طريقة لمنع ذلك هو غسل ما بين الفخذين بالشامبو ثم امسح الموضع بمطهر قبل عملية السير، وبعد السير اغسل أيضاً بالشامبو والمطهر، وفي حال ظهور الالتهابات عليك قبل النوم استعمال كريم خارجي للجلد يُسمى (كينا كومب)، يُدهن على موضع الالتهابات الخارجية بعد عملية الغسيل والتطهير والتجفيف.
وإذا كان هناك شخص مشرف على الهلاك بسبب العطش، فلا تعطه الماء دفعة واحدة بكمية كبيرة، فقد يؤدي ذلك إلى موته، وإنما امسح على شفتيه بقطعة مبللة تدريجياً، خذ وقتك، ساعة أو أكثر حتى يستعيد وعيه تماماً.
Abdulmalikalkhayal@hotmail.com