كان لخلافي مع أحد الزملاء حول إمكانية تغيير ثقافة مجتمع بأكمله دور بارز في رغبتي ببحث الموضوع وسبر أغواره، حيث كنت ولازلت أؤمن بإمكانية حدوث ذلك في حين يرى زميلي وغيره ممن شاركونا أطراف النقاش الطريف استحالة ذلك، وكانت حجتي بذلك هي مبدأ غسيل المخ.
أعلم أن اللفظة تبدوا مفردة بمعنى أنه يمكن تطبيقها بشكل إفرادي في حين يستحيل تطبيقها على مجتمع بأكمله.
غسيل المخ هو ببساطة عملية عقلية يتم بموجبها تغيير اتجاهات الفرد وأفكاره وآرائه ومذاهبه وسلوكه، وهو مفهوم نسبي استعاري، حيث لا يمكن أن تتم فعلاً عملية غسيل للمخ وإنما تتضمن دفع الفرد لكي يتخلى عن أفكاره وآرائه وأساليب سلوكه التي تعلمها من قبل، على أن يستبدلها بأفكار وآراء جديدة يراد له أن يعتنقها وأن تغرس فيه بفعل مدفوع من جهة لها مصلحة في ذلك، وهذا المفهوم تم استخدامه ولا يزال على مستوى عام وواسع في الحملات التبشيرية وهو ما يسمى بالتلقين العقائدي الذي يعتمد على حث الناس بشكل عام على قبول عقيدة ما عن طريق نوع خاص من التربية الذي يعتمد على قبول المتعلم لما يلقى عليه أكثر من حثه على التفكير الناقد والفحص والتمحيص في مختلف وجهات النظر المؤيدة والمعارضة.
وما يشاع أن عملية غسيل المخ عملية مخيفة ورهيبة لارتباطها شرطياً بالحروب والأسر ومحاولة انتزاع الاعترافات والأسرار وما يتبعها من محاولات لإثارة أحقاد الأسرى على أوطانهم وغرس ولاء الجهة التي أوقعتهم بالأسر، إلا أن عملية غسيل المخ لها جوانب أخرى بالمقابل فبإمكان القائمين على المجتمعات تغيير أيدولوجيات الأفراد من خلالها كما حدث في الصين مثلاً عندما أطلقوا برامج الإصلاح الأيدلوجي وذلك من أجل تعديل الفلسفة الاجتماعية والسياسية السائدة في المجتمع، وتغيير أفكار الناس، وإلى صياغة الأيدولوجية الاجتماعية وتغيير السياسة الفكرية للناس مما أسهم في إعادة تشكيل عقول الناس وصقل شخصياتهم وأفكارهم وآرائهم ومذاهبهم.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن الصين قد أعدت لذلك خططاً محكمة وبرامج غاية بالدقة لتحقيق تلك النتائج وعلى المستوى العام.
إن برامج علم النفس وعلم الاجتماع بما فيها من أدوات ووسائل ونظريات قادرة إن أحسن استخدامها وتسخيرها على المساهمة في وضع برامج الإصلاح الفكري والثقافي والعقائدي والتربوي والاجتماعي، على أن يتم ذلك وفق خطط ممنهجة بدقة بالغة، حيث إن عملية التغيير المنشودة لا تعدوا كونها عملية تعليم بمفهومها البسيط ولكنها أشد خطورة من العملية التعليمية العادية لأنها تتعامل مع عقول الأفراد وتحاكي مبادئ وثوابت اجتماعية وتربوية تحتاج إلى جهد واسع النطاق لتغييرها.
فهل نستطيع تسخير العلم لتغيير بعض من ثقافاتنا خصوصاً تلك المتعلقة بالعلم والعمل؟
dr.aobaid@gmail.com