Al Jazirah NewsPaper Monday  24/03/2008 G Issue 12961
الأثنين 16 ربيع الأول 1429   العدد  12961
رحلة العبير (في رثاء عبير البكر)
هيا العبدالله

كما يرحل المحبون.. الصابرون.. المحتسبون.. المضحون.. الواهبون حياتهم لأحبتهم وذويهم..

كما يرحل الشامخون.. السامقون.. المستوطنون أعماقنا..

كما يرحل الأدباء.. الشاعرون.. ذوو الأحاسيس الدفينة.. والمشاعر الدافقة.. والعطاءات الواكفة.. ترحلين يا رفيقة العمر..

يا رحيلاً ما أقساه وأشده.. يا فراقاً موجعاً.. ووداعاً باكياً.. وقلباً لك بالمغفرة داعياً..

لن تطرق عبير باب منزلي بعد اليوم.. لن تحضر معها أكياس (الحلوى) لصغاري..

طفلتي (عبير) تبكي بحرقة في البيت والمدرسة لأنها افتقدت صديقة ماما الحبيبة..

تبكي وهل كان البكاء يعيد الأحبة..

عبير والذكريات التي لا تُنسى.. في الرياض.. في الشرقية.. على مقاعد الدراسة التقينا.. على مكاتب التدريس حكينا.. وفي الهواء الطلق مشينا.. وعند موقد النار اجتمعنا.. وعلى شاطئ البحر تسامرنا.. وفي أمومتنا تزاورنا وتهادينا..

سلسلة حكايات.. قصص أخوة لا تنتهي..

مشاعر.. بوح.. شجن.. فرح.. بكاء..

ما زال صوتك الشادي يرن في مسامعي وأناشيد اللهو البريء..

ذكريات في أروقة الجامعة.. وكنت أنت المميزة فينا.. أنت السامقة..

حياة مرة.. مواقف عصيبة تهز الجبال.. أيام أليمة تعصر الأفئدة.. وكنت صامدة.. صابرة.. مضحية.. محتسبة..

تتحاملين على ذاتك الموجوعة.. تتعالين على كبريائك المجروح.. وبداخلك حرقة.. لهيب.. وجع دفين..

ثم يا رفيقة العمر ذلك المرض العضال الذي صهرك.. أحرقك لتصبحي جثة هامدة.. تحملين على الأكتاف لقبرك.. جعله الله روضة من رياض الجنان برحمته وكرمه الكريم المنان وغسلك بالماء والبرد بعفوه وإحسانه ذو الفضل والإحسان..

وانتهت رحلة العذاب.. رحلة الموت.. الذي كان يحاصرك طيلة مرضك.. يجذبك بعنف.. من دنيا البشر إلى عالم الأشباح المخيف.. يطوّقك بأنيابه.. يلفك في ظلامه.. وأنينك يذيب قلوبنا ولكن ما حيلتنا..

ما زلت أتذكر رسائلك على هاتفي المحمول (ادعوا لي بالفرج).. (تعبانة الله يلطف بي).. (راضية بقضائه وقدره)..

ولطف بك ألطف اللطفاء.. الرب الرحيم وأراحك من ذلك الألم.. من ذلك العذاب.. وانتقلت إلى جواره خير جوار وأكرم كريم..

وانتهت (مواسم الحب).. انتهت مواسم الندى.. ورحلت من كانت (تمشط شعر هالة)..

وتركت هالة وفهد صغيرين يبكيانك يا غالية.. يبحثان عنك في أرجاء بيتك الصغير.. أين ذهبت ماما؟ يتساءلان بحيرة.. ويتعملق السؤال داخل عقليهما الصغيرين.. يتلفتان يمنة ويسرة.. لعلك تخرجين إليهما.. إنهما لم يعيا بعد حقيقة الموت.. ولن يعيا كيف سيعشان بدون (ماما)..

تلك الأم العظيمة التي تشقى.. تسهر.. تمرض.. تئن.. ولكن صغيريها في عينيها ساكنان.. ترعاهما بمشاعرها الدفينة.. بحنانها الفيَّاض.. من سيقبِّل هالة.. ومن سيحتضن فهد؟

موجوعة يا صديقتي ولكني واثقة من رحمته وكرمه.. وأنه سيسخر لصغيريك.. ملائكة السماء وعبيد الأرض..

وأن رياض الخير التي زرعتها في كل منزل.. وأيادي العطاء التي مددتها إلى كل محتاج.. وتعابير الحزن والفرح.. التي كتبتها بأناملك.. لكل بائس وسعيد.. لن تذهب هباءً.. ستبقى تلك القلوب البيضاء التي أحسنت إليها تتذكَّر مواقفك المشرقة.. وستمتد لطفليك.. لترد جزءاً من إحسانك..

ولكني يا صديقتي على فراقك محزونة.. لن تعود عبير.. وحياة لا تحضرها عبير حياة أليمة.. وصباح لا تتنفسه عبير صباح قاس..

تغمدك الله بواسع رحمته وعظيم غفرانه وجمعنا بك على منابر من نور يوم البعث والنشر وهنيئاً لك ثباتك وصبرك على عظيم البلاء.. هنيئاً لك موتك على الشهادة والتوحيد.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد