Al Jazirah NewsPaper Monday  24/03/2008 G Issue 12961
الأثنين 16 ربيع الأول 1429   العدد  12961
مشاريعنا الحكومية ودورها في تعزيز توطين التقنية
د. فيحان بن دعيج العتيبي- الإدارة العامة للاتصالات السلكية واللاسلكية بوزارة الداخلية

قامت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية مؤخراً، بمشاركة ممثلين من الجامعات السعودية والقطاعات الحكومية والخاصة ذات العلاقة، بوضع الآليات المناسبة لتفعيل الخطة الوطنية للعلوم والتقنية، وذلك من خلال إعداد برامج تنفيذية ترمي لتنمية المنظومة الوطنية للعلوم والتقنية في المملكة في عدد من المجالات الإستراتيجية هي: تقنية المياه، تقنية البترول والغاز، التقنية البتروكيميائية، التقنية الحيوية والهندسة الوراثية، التقنية متناهية الصغر (النانو)، تقنية المعلومات، تقنية الإلكترونيات والاتصالات والضوئيات، تقنية الفضاء والطيران، تقنية الطاقة، تقنية البيئة، وتقنية المواد المتقدمة.

وفي كلِّ مجال من هذه المجالات يتم تحديد التوجُّهات الإستراتيجية، وتوضيح التقنيات المطلوب توطينها، وكذلك تحديد البرامج البحثية والمشاريع المتفرّعة منها، بالإضافة لتحديد أدوار الجهات الرئيسة ذات العلاقة. والمسئولون بالمدينة يولون هذه الخطة اهتماماً بالغاً، فقد شُكلت الفرق العلمية المتخصصة لكل مجال، وتم الاستعانة ببيوت الخبرة، هذا إلى جانب الاستفادة من تجارب بعض الدول التي سبقتنا في تنفيذ مثل هذه الخطط. ولعلّ ورشة عمل بادر لتقنية المعلومات والاتصالات، تعد من أول ثمار هذه الخطة الطموحة، فقد تم خلال تلك الورشة التقييم المبكر لعدد من المبادرات والأفكار العلمية التي تقدّم بها عدد من الموهوبين والمبدعين، والتي من المؤكد أنّ بعضها سيتحوّل إلى اختراعات ومنجزات علمية، تؤكد أنّ شباب هذه البلاد قادرون على الإبداع والإنجاز عند رعايتهم.والاهتمام بالإبداع المعرفي يجعل محور توطين التقنية من أهم محاور الخطة، حيث تعرّف الخطة أنّ توطين التقنية هو تطوير الإمكانات الوطنية على نحو يمكن معه استثمار وتطوير التقنية الأجنبية. وهو ما يعني تطوير الخبرات الوطنية والإمكانات الصناعية، لإعادة إنتاج بعض العناصر المستوردة، إضافة إلى تصنيع قطع الغيار، والقيام بالصيانة الدورية وطنياً. الأمر الذي يحتم علينا تضافر الجهود لتعزيز تفعيل هذا المحور على كافة المستويات. وما رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لمعرض الابتكار السعودي الأول يوم الأحد غرة ربيع الأول 1429هـ، إلاّ أكبر دليل للاهتمام بالابتكار والإبداع المعرفي اللذين يشكِّلان أهم ركائز توطين التقنية. المشاريع الحكومية لاسيما الكبيرة منها، يمكن أن تلعب دوراً رئيساً فاعلاً أيضاً في تعزيز محور توطين التقنية، خصوصاً تلك المشاريع الواقعة ضمن المجالات الإستراتيجية للخطة الوطنية. حالياً هذا الدور مفقود نظامي، فالجهات الحكومية غير ملزمة نظامياً بالمساهمة في توطين التقنية ولو بنسب متدنية عند تنفيذ المشاريع الخاصة بها. والأمر نفسه يسري على مشاريع الشركات الكبيرة، مثل شركات الاتصالات وشركات نظم وتقنية المعلومات وشركات الطيران والنقل. كما أنّ مبادرات توطين التقنية لا تدخل ضمن معايير المفاضلة بين المتنافسين للفوز بهذه المشاريع.غياب هذا الدور نظامياً، بالإضافة لعدم وجود بنود ضمن ميزانية القطاعات الحكومية لمجال البحث والتطوير، تجعلنا لا نستفيد من حجم الإنفاق الحكومي على المشاريع الحكومية في توطين التقنية، وكنتيجة حتمية لهذا الفراغ النظامي لا يتكوّن مع مرور الوقت تراكم معرفي يعزِّز الاستقلال التقني وطنياً، لاكتساب الريادة في مجال معيّن، فيما عدا بعض المشاريع البتروكيميائية والتي أثبتت أننا قادرون على المنافسة وكسب السّبق، أمّا المدن الاقتصادية فهي وثبات متميزة في دعائم الاقتصاد السعودي، لكنني لا أعرف حجم الدور الذي ستلعبه في تعزيز توطين التقنية.

معظم دول العالم المتقدم، تشترط في كثير من الأحيان، فتح مصنع بالكامل للمنتجات التي تملكها الشركة المتوقّع أن تفوز بالعقد، أو تلك التي ترغب في دخول أسواق هذه الدول. ولعلّ آخر ما طالعته في هذا الصدد، هو ما لخّصه لنا الأستاذ عابد خزندار في زاويته اليومية بجريدة الرياض، حيث ذكر أنّ الخطوط الصينية عزمت على شراء 300 طائرة، واشترطت أنّ الشركة التي ترغب أن تفوز بالعقد، يجب أن تفتح مصنعاً لإنتاج الطائرات بالصين. وبدأت المفاوضات بين الصين وشركات تصنيع الطائرات العالمية انتهت لصالح شركة ايرباص الفرنسية التي قبلت الشرط. وحسب ما أورد الكاتب أنّ المفاوضات تولاّها الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك.

كما أنّ من ضمن شروط العقد إلزام الشركة الفرنسية بالاستفادة من المواد الأولية المنتجة صينياً أيضاً.ولتفعيل مثل ذلك لدينا، فإنّ الأمر يتطلّب منا إجراء بعض التعديلات في نظم المشتريات والمفاضلة والترسية للمشاريع الحكومية، بالإضافة لمشاريع الشركات الكبيرة لاسيما التي تملك الدولة فيها حصصاً مؤثرة، بحيث يكون هناك آلية معيّنة يتم بموجبها إلزام الجهات ذات المشاريع التي تتجاوز أحجامها مبالغ معيّنة - على سبيل المثال 100 مليون ريال أو ربما المشاريع التي تمثل نظم التقنية فيها ما يفوق 50% من حجم المشروع أو أي معيار آخر تقديم عرض ضمن العروض الأساسية لعطائها لتصنيع نسبة لا تقل عن 10% من حجم المشروع مثلاً محلياً، على أن تكون الأفضلية في المفاضلة عند تساوي العوامل الأخرى للشركة التي تلتزم بتقديم نسب أعلى في مجال المساهمة في توطين التقنية.

مما لاشك فيه أنّ سن مثل هذا النظام، يتطلّب الكثير من الدراسة والتمحيص والمراجعة، لكنه أصبح ضرورة ملحّة لنوجد لنا موقعاً على خارطة العالم التقنية، والتي أصبحت مساحة رقعة تواجد كل دولة عليها تعطي مؤشراً واضحاً لتفوّق تلك الدولة وريادتها. فحجم إنفاقنا الحكومي على المشاريع يعد قوة اقتصادية فاعلة ولا بد من الاستثمار في هذا الجانب بالشكل المرضي وتوطين التقنية هدف استراتيجي، لذلك فإنّ الأمر يتطلّب تضافر جهود عدد من الهيئات والجهات الحكومية والخاصة لاستثمار هذه القوة الاقتصادية ولعلّ أهم تلك الجهات مجلس الشورى. و يمكن للمجلس الاستعانة بعدد من الخبراء التقنيين والقانونيين والماليين في كلٍّ من مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية ووزارة الاتصالات وتقنية المعلومات ووزارة المالية ووزارة البلدية والشئون القروية، بالإضافة للاستئناس بمرئيات بعض الجهات الحكومية والخاصة، وكذلك تجارب الدول المتقدمة صناعياً، وذلك لإعداد مسودة مشروع نظام يشتمل على تعديل نظم المشتريات والمفاضلة والترسية للمشاريع الحكومية الموجودة حالياً، بحيث تحتوي على آلية معيّنة تلزم الجهات الحكومية بضرورة المساهمة من خلال مشاريعها بالنهوض بالبلد تقنياً.. اللهم أدم علينا الأمن والإيمان واحفظ بلادنا من كلِّ مكروه، والسلام.



f_alotaibi@yahoo.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد