|
القرن الخامس الهجري وما تلاه من قرون يمثل طفرة لعدد من أسر مكة المكرمة والمدينة المنورة وبعض مناطق من الحجاز إلى منا طق تهامة الشام وتهامة الوسطى وتهامة عسير والمخلاف السليماني. والأعلام من أولئك قصّر في حقهم التاريخ كثيراً؛ فلم يسبر التاريخ حياتهم الاجتماعية وتاريخهم الاجتماعي والثقافي، ومن أولئك الذين كانوا خارج تغطية شبكة تاريخ أعلام الشعر لتلك الفترة مع شهرته ومع قوة شعره التي نجدها في نتف من المطبوعات وأوراق التقويم، أو سمعنا فقط عنه، شاعر مبدع لم ينل حقه من تاريخ وترجمات أعلام تلك الفترة، إنه الشاعر القاسم بن علي بن هتيمل الضمدي التهامي. فعلى الرغم من أن مؤرخنا وشيخ التاريخ الجنوبي محمد بن أحمد العقيلي قد خص ديوانه بدراسة وتحليل، إلا أن العقيلي شكا من تقصير التاريخ في عدم معرفة الكثير عن السيرة الذاتية لابن هتيمل. وبين يدي بحثنا هذا نسخة الدراسة والتحليل لديوان ابن هتيمل للعقيلي في طبعتها الأولى عام 1381 هـ - 1961 م - القاهرة دار الكتاب العربي بمصر. فإلى قراءة عاجلة في تلك الدراسة والتحليل للوقوف بالقارئ من خلالها على عدد من الحقائق والقضايا التي تدعو إلى العناية بأولئك الأعلام بالعمل على إعداد ورشة بل ورش تاريخية تقضي بإعداد وترميم وهيكلة تاريخ أعلام تلك الحقب بتلك المناطق. |
وقع الديوان دراسة وتحليلاً في 177 صفحة من القطع المتوسط، كُتب عنوانه بالخط الفارسي، واحتوت المقدمة على معاناة المؤلف في سبيل الحصول على مخطوطة ابن هتيمل، ولكنه تمكن من الحصول عليها بفضل تكرم الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العقيل بإعطاء المؤلف نسخة من مخطوطة ديوان ابن هتيمل. وعلى كل، فقد حصل المؤلف على نسخ عدة للديوان. والواقع أن المشكلة ليست في دراسة وتحليل أولئك الشعراء، بل تكمن في الدرجة الأولى في غياب الدراسة والترجمة لأولئك الأعلام سواء كانوا شعراء مثل شاعرنا ابن هتيمل أو خلافه؛ فهذه مشكله تترك فراغاً أمام الباحثين والدارسين المعاصرين في مسألة الترجمة في الوقت الحاضر. ومن ذلك - وفي هذا السياق - عن حياة الشاعر ابن هتيمل يقول العقيلي في تقديمه عن حياة الشاعر بما نصه (تضن علينا المصادر القليلة المخطوطة التي تحت أيدينا بالكثير مما يتطلبه البحث، فابن أبي الرجال صاحب كتاب مطالع البدور ومجمع البحور ترجم للشاعر ترجمة فضفاضة خالية من تاريخ المولد والوفاة، بل لم يذكر أي شيء عن حياته الخاصة والعامة ولا عن أسرته). ولست في حاجة إلى التدليل على قصور التاريخ والمؤرخين لتلك الأصقاع ورجالها في كل فن وفي كل أدب ولون، ويبقى علينا التدليل على مكانة الشاعر وقوة شعره ومحاولتنا لأن نترجم له من خلال شعره الذي يعد سجلاً تاريخياً لحياة الشاعر وخير منبئ عن حياته، أن الشاعر تهامي ضمدي من ضمد، والشاعر نشأ وترعرع في نجران، خلاف نجران التاريخية. أما أطلس شعر ابن هتيمل (أي خارطة شعره، منطقة شعره) فهي من مكة إلى حلي - تهامة - المخلاف السليماني. لقد تناول العقيلي دراسة وتحليل الديوان من جهة شرفته التاريخية الواسعة، وربط أحداثاً تاريخية سجلها شعر ابن هتيمل، ولكن الذي أوقفنا عليه العقيلي هو القيم الفنية لشعر ابن هتيمل؛ فقد قال عنه ما نصه (شعر ابن هتيمل عليه طلاوة الفن وروعة الأصالة، يتماوج بالظلال، وينبض بالحياة، ويترقرق ما ء الجمال في ألفاظه ومعانيه). انتهى. |
ونأخذ أمثلة مقتضبة في كل لون، فمن جميل قوله في الحكمة: |
لا تيأسن لكون قومك أصبحوا |
فئتين بين أصادق وأعاد |
واصبر فمرجعهم إليك وإنما |
مجرى الشعاب إلى مسيل الوادي |
وإذا كان الشعر هو سجل وديوان وتاريخ العرب، فإن ابن هتيمل أرّخ في شعره ذكراً لعدد من مواضع ومدن ومخاليف بتهامة المخلاف السليماني مما أغفله التاريخ. ومن تلك المواضع التي ضمنها شعره بيش - حلي - ليه - تعشر، وذلك في قوله: |
- فما دون (حلي) غير ما دون (لية) ولا دون (بيش) غير ما دون (تعشرا). |
وقال في (الحسيني): كلما سرت في (الحسيني) والاثل شجاني من (الحسيني) شاج |
|
قال الوشاة بنا قولا فما كذبوا |
في بعض ما ذكروا عنا ولا صدقوا |
|
لن يدرك المجد من في جده اللعب |
ولن يفوت العلا من همه الطلب |
وما على المرء أن يسعى لحاجته |
أنال بغيته أم ناله العطب |
وخصص العقيلي نهاية دراسته لديوان ابن هتيمل عن حلي بن يعقوب وسلاطينها وقسم عن الغزل. |
والخلاصة أن هناك أعلاماً وأحداثاً حقيقة وجديرة بأن تحاط بالدراسة والتحقيق. |
|