Al Jazirah NewsPaper Sunday  23/03/2008 G Issue 12960
الأحد 15 ربيع الأول 1429   العدد  12960
علامة القصيم الشيخ عمر بن سليم (1299هـ - 1362هـ) وجهوده في عهد الملك عبدالعزيز

كان لعلامة القصيم الشيخ عمر بن سليم منهج يحتذى في التعامل والتعاون والتلاحم والتآزر مع ولاة الأمر والسعي لتوحيد الكلمة، فكان نموذجاً للعالم العامل الناصح الصادق، سار على منهج النبوة واقتفي آثار الصحابة والتابعين وسلك مسلك أئمة الدعوة السلفية وأساطين الملة الحنيفية فكان وراء الدعوة يحمي حماها ويذود عن حياضها فأعلى الله مقامه ونشر ذكره في العالمين وجعل له لسان صدق في الآخرين وجمع الله قلوب عباده على حبه وألهج ألسنتهم بالثناء عليه. فأطلقت عليه المشيخة وهو دون العشرين وسئل وأفتى وشيوخه حضور، فما زال الشيخ عبدالله بن عبداللطيف يوصي الملك عبدالعزيز به خيراً فكان الملك يدعوه لاجتماع كبار العلماء وسنه دون الثلاثين مما دعا رئيس القضاة الشيخ عبدالله بن بليهد أن يطلق عليه لقب (إمام العلماء) ولما بلغ الملك عبدالعزيز خبر وفاة الشيخ عمر بن سليم أرسل برقية لأبنائه يواسيهم وأنه سندهم من بعده، وقال (هذا ركن في هالشمال انهد) بهذه الكلمات اختزل الملك عبدالعزيز رحمه الله كل ما يكنه للشيخ عمر بن سليم من مكانه فشبهه بالركن لعظم مكانته وعلو منزلته مما دعا سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم أن يرثيه بمرثية مبكية قال في مطلعها إن المصيبة فقدنا عمراً أعظم بميتته رزء بنا كبر.

وفي هذه العجالة نستوقف التاريخ ليحدثنا عن مواقفه و جهوده في عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله:

1- لما ابتدأ الملك عبدالعزيز بتهجير البادية عام 1330هـ أرسله إلى الأرطاوية فكان يقيم عندهم الشهرين والثلاثة يذكرهم ويعلمهم فكان له أكبر الأثر في نشر العقيدة وتعليم الفقه ونشر مكارم الأخلاق، ونبذ العادات السيئة، وتوفي ثلاثة من كبار طلابه أثناء إقامتهم في تلك البلدة بسبب الوباء عام 1337هـ.

2- أصبح إماماً في مسجد الحميدي عام 1328هـ ثم إماماً ومدرساً في مسجد ناصر بن سيف ببريدة عام 1339هـ وفي هذه الفترة جند نفسه للتدريس والتعليم وتخرج على يده أعداد كبيرة من طلبة العلم ثم أصبح إمام وخطيب (الجامع الكبير) جامع خادم الحرمين الشريفين ببريدة عام 1351هـ والتف حوله طلاب العلم من كل حدب وصوب.

3- في عام 1346 هـ ساهم في محاولة إخماد أكبر الفتن الداخلية فشارك مع جملة من كبار العلماء مثل: (الشيخ محمد بن عبداللطيف - وسعد بن عتيق - وابن سحمان - وعبدالله العنقري - ومحمد إبراهيم) في كتابة رسالة قيمة لمناصحة الدويش ومن معه وذلك إخماداً لنار الفتنة.

كما شارك في الجواب على بعض المسائل التي أثيرت حول مسألة الجهاد واستخدام المبرقات وغيرها فكان من أبرز رجال الجهاد الفكري الديني.

4- في عام 1347 هـ لما زحف الملك عبدالعزيز إلى بريدة أثناء ما فترة معركة السبلة وما قبلها بعث الشيخين عبدالله بن سليم، وأخاه عمر بن سليم وأمرهما أن يبذلا في نصيحتهما الجد والاجتهاد، وذلك حقناً لدماء المسلمين فذهب الشيخان على راحلتين إلى (الصريف) للمفاوضة والمناصحة.

5- عين قاضياً لبريدة بعد وفاة أخيه الشيخ عبدالله رحمه الله وذلك عام 1351 هـ، وأصبح رئيساً لقضاة القصيم، وكان الملك عبدالعزيز يستشيره في تعين القضاة فعندما زار الملك بريدة طلب من الشيخ عمر أن يختار قاضياً لعنيزة، فرشح الشيخ عثمان القاضي، ومرت أوقات لا يوجد في المملكة محكمة إلا وفيها من تلاميذه.

6- في عام 1353 هـ شارك مع كبار العلماء مثل الشيخ عبدالله العنقري والشيخ محمد بن عبداللطيف ومحمد بن إبراهيم آل الشيخ في كتابة رسالة لكافة المنتسبين لطلب العلم من أهل نجد في الحث على طلب العلم وصدق الملك عبدالعزيز في أسفلها بأن ما كتب المشائخ هو الحق والنصح.

7 - وفي عام 1353هـ توجه للحج الشيخ عمر ومعه قرابة ثلاثين من كبار طلبة العلم من تلاميذه بناءً على أمر الملك عبدالعزيز فتم توزيعهم على محاكم مدن وقرى المنطقة الجنوبية ابتداءً من جيزان وانتهاءً بأبها فمنهم من عين قاضياً ومنهم من عين أماماً ومعلم ومرشد، ولم يخلُ منصب في القضاء إلا ويبعث الملك عبدالعزيز إلى الشيخ عمر يطلب منه تعين أحد تلاميذه، وقد جعل الله فيهم البركة فنفعوا بعلمهم جميع أطراف البلاد السعودية، وكل ذلك ببركة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأبنائه وأحفاده الذين أخذ عنهم آل سليم العلم.

8 - في عام 1356 هـ الموافق 1937م قبل الحرب العالمية الثانية بسنتين قام اليهود بالاعتداء على فلسطين فعقد الشيخ عمر بن سليم مجلساً للبحث والنقاش حول الموقف من هذا الحدث وهل تجب مساعدة أهل فلسطين والانخراط في صفهم ضد أعداء الله ورسوله اليهود، وذلك بأمر من الملك عبدالعزيز وحضر الاجتماع أمير القصيم عبدالله الفيصل الفرحان وثلة من العلماء منهم: (الشيخ عبدالعزيز العبادي والشيخ محمد الحسين والشيخ عبدالله الرشيد ومن الأعيان فهد الرشودي وعبدالعزيز المشيقح وسليمان الجربوع ومحمد الربدي) رحمهم الله جميعاً واتفقوا إذا أمر الوالي الرعية بنصرة المسجد الأقصى فإنهم يقدمون في نصرته أنفسهم وأموالهم طاعة لولي الأمر وهذا يدل على سبرهم لأغوار الشريعة ومعرفة أبعاد المسألة وفهم نصوص الكتاب والسنة وقراءات منهج علماء السلف والوقوف على موقفهم في هذا القضية فكانت كتابتهم مؤصلة وتوصياتهم موثقة ورفع هذا الرأي إلى عتبة الملك عبدالعزيز فكان له أحسن الوقع والقبول.

9 - ساهم الشيخ عمر مع الملك عبدالعزيز في بناء وتوسعة الجامع الكبير عام 1359هـ ووضع النواة الأولى لمكتبة بريدة العلمية بالجامع والتي تعتبر أول مكتبة علمية في المملكة العربية السعودية.. وقد أنعشت هذه المكتبة الحياة العلمية وساهمت في النهضة الثقافية في البلاد وحافظت على تراث الأمة وما نعيشه الآن وننعم به من بنية معلوماتية في المكتبات لم تنطلق من فراغ بل هي غرس الماضي وكفاح الآباء والأجداد.

أخيراً وليس آخراً أتقدم بالشكر الكبير إلى المسؤولين في دارة الملك عبدالعزيز وعلى رأسهم صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز رئيس مجلس الإدارة على ما يبذلونه في حفظ تاريخ البلاد وإنني في هذا المقام أدعو مركز التاريخ الشفوي بالدارة إلى المبادرة في رصد جهود آل سليم حيث كانت لهم الأدوار العلمية والقضائية المعروفة في القصيم خلال نصف قرن من الزمان وكان لهم جهود عظيمة في ترسيخ الأمن والقضاء على الفتن حتى أصبحوا دعامة من دعائم العلم الشرعي والاستقرار السياسي، وذلك عرفاناً بفضلهم ووفاءً بحقهم.

عبدالملك بن عبدالوهاب البريدي
مدير مركز علاقات الإنسان بالقصيم


alaqat323@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد