عندما يصدق وفاء الرجل فإنه يصبح قلباً تتسع حناياه للجميع، يضم أحياءهم ويترحم على موتاهم، لكن هذا الصنف من الرجال نادر وعزيز في زمن النسيان الذي لم يحفظ لحي حقاً، ولغابر ذكرى، لكن مشهداً من مشاهد ذلك الوفاء النادر دارت وقائعه تحت قبة مجلس الشورى قبل أيام حين وقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مسترجعاً ذكرى والده ورجاله مترحماً عليهم جميعاً قائلاً - حفظه الله -: (وطن قام على إرادة الله، ثم بعزيمة الرجال الكبار الذين تزاحموا بالمناكب خلف قائد وحدتهم، الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراهم جميعاً - في مسيرة أراد لها الحاقدون الكارهون الفشل وأراد الله لها العزة والنصر...) فما الذي دعا الرجل إلى تذكُّر هؤلاء الآن في خضم ذلك العالم المتلاطم الذي يموج بما فيه ومن فيه، العالم الذي لم يعد يذكر فيه أحدٌ أحداً، يقف عبدالله بن عبدالعزيز تحت قبة إحدى أهم قبابه الدستورية التي تتوجه إليها أنظار العالم ليترحم على أبيه ورجاله، ويشمل الجميع بالدعاء فيقول - طيَّب الله ثراهم جميعاً - فلأشد ما أثَّر هذا الموقف الكريم في نفسي، أنا أحد أحفاد قادة الملك عبدالعزيز ورجاله، ولأشد ما غمرتني السعادة وأنا أسمع خادم الحرمين الشريفين الوفي ابن الوفي ابن الأوفياء يدعو لهم جميعاً - رحمهم الله رحمة واسعة - فجاء شمول رجاله بالدعاء، واحدة من مآثر عبدالله بن عبدالعزيز التي سيسجلها التاريخ باسمه، ضمن باقة المآثر والمكارم التي غمر بها وجه هذا الوطن وأبناءه.. فلا حرمنا الله وفاء هذا الرجل ونبله ولا حرم بلادنا سداده وإخلاصه.
ولقد حرَّك وفاء خادم الحرمين الشريفين في نفسي خاطرة وسؤالاً في آنٍ: لقد ضرب رجال الملك عبدالعزيز أنبل الأمثلة وأشجعها في التفافهم حول قائدهم في معارك توحيد هذا الوطن، حتى قدموه لنا جسداً واحداً مترابطاً متآلفاً إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر، بعدما كان ممزقاً لا رابط ولا عهد بينه، ولا خطاب إلا خطاب السيف، أفلا يستحق هؤلاء الرجال أن يكون لهم كيان، جمعية مثلاً كجمعيات قدامى المحاربين في بعض الدول، وليكن اسمها (جمعية رجال الملك عبدالعزيز) تؤرخ لسيرهم ومعاركهم، وتعيد إحياء تاريخهم وتقديمه لأجيال الوطن، فتصبح مرجعاً ومزاراً للضيف والباحث والزائر، وتكون مركز إشعاع تاريخياً يعيد ضخ تاريخ بلادنا الزاخر في عروق أبنائها، وهالة كبيرة من الضوء يسبح إليها أحفاد هؤلاء الأبطال وكلهم يقين أن الوطن لم ينس صنيع أجدادهم، فيسيروا على نهج أجدادهم مصطحبين معهم أجيال الوطن في معركة البناء يقودونهم إلى المستقبل كما قاد أجدادهم جنود الوطن في معارك التوحيد.. وإنني أُشهد الله ثم التاريخ أن هذا المشروع الإنساني التاريخي الوطني إن وجد من يتحمس له من أوفياء بلادنا وما أكثرهم وعلى رأسهم أوفى أوفيائها عبدالله بن عبدالعزيز الذي ننتظر أن يكون صاحب هذه المبادرة الوطنية الإنسانية، الذي أثق بأنه - حفظه الله - لن يتأخر عن مثل هذا العمل الذي نؤمل أن يُضاف قريباً إلى سجل إنجازاته ومكرماته - أيده الله - فإن نقطة انطلاقة هي تلك الدعوة الصادقة من لدنه - حفظه الله - لأبيه ورجاله - طيب الله ثراهم جميعاً -.
حمود بن متعب بن عفيصان