ينظر بعض الناس للمصائب التي تحلُّ به، بعين السخط وعدم الرضا بما قدَّر الله، وأكثر ما يثير سخط المبتلى وحزنه، هو نظرة الناس إليه، كلامهم، وشماتتهم به!
جاهلية ما زالت تسري في دمائنا رغماً عنا، معايير اجتماعية يصعب الفكاك منها والهروب من أقدارها، فتبقي حاجزاً بين الإنسان وبين ما يريد فعله!
وكأن المصيبة بحد ذاتها لا تكفي المبتلى حتى تجد الناس تتناوله بألسنة حداد تأكل لحمه حيّاً، ذلك هو مصير من يبتلى بعرضه أو بأي مصيبة تحلُّ به، ولا يكفي الناس ذلك، بل حتى الأموات لا يسلمون منهم، فإذا قضى إنسان حرقا أو بحادث سيارة وجدت من يحدثك بأنه لولا أنه كان عاصيا لله لما وقع له الحادث، ولما أصيب بالسرطان مثلا، ولما شبت النيران فيه، وهكذا لا يرحم البشر بعضهم بعضاً لا أحياءً ولا أمواتا! وعلى الرغم من أن الدين الإسلامي يأمر بالستر ويأمر بعدم تتبع عورات الناس، وينهى عن الغيبة والقذف والحديث في أعراض الناس، إلا أن تلك النواهي لا تجد من يلتزم بها حال حدوث مصيبة لإنسان!
فمن المؤلم أن تجد الرحمة وقد نزعت من قلوب بعض بني البشر في هذا الزمن، وتجدهم يتناولون الأحداث التي تقع لبني جنسهم بشيء من الشماتة أو اللا مبالاة، وقد غرهم أن دهرهم قد صفا لهم!
أكتب هذه الكلمات وصورة الفتاة التي تمزقت أشلاءً في حادث سيارة على طريق تبوك - المدينة في مخيلتي، ذلك الحادث المروع الذي تناولته الصحف الأسبوع الماضي، حيث إننا أمام مشكلة كبيرة إذا لم تتحرك الجهات المسؤولة لحلها فسوف يكثر الضحايا.
فلا يكون تغيير المنكر بهذه الصورة التي تدمى لها القلوب وتذهل منها العقول!
فالستر أولى أن يتبع في مثل هذه الحالات لا المطاردة حتى الموت!
فأي عاقل سيسأل نفسه هذا السؤال: ما الذي جعل الشاب يهرب ويستمر بالهرب حتى ذهبت روحه واحترق مع الفتاة داخل سيارته؟!
فمن فيكم يأمن على نفسه الفتن؟
ومن هو المعصوم من الخطايا والذنوب؟ إن تكرار هذه الحوادث لدليل على وجود خطأ في الأسلوب لتكون الاجهزة في أداء المهام المنوطة بهم، فمن الواجب مراجعة تلك الأساليب لتكون مصدر أمن ولا تكون مصدر فضيحة وخطر. وما على ذويهم إلا الاحتساب والصبر وقد انهالت عليهم الحسنات من كل إنسان تكلم فيهم بكلمة سوء.. نسأل الله أن يجعل مثوى تلك الفتاة وذلك الشاب الفردوس الأعلى من الجنة.
noraalomran@hotmail.com