في ليلة من ليالي الوطن كنت كغيري من ملايين السعوديين والسعوديات المسكونين بحب هذه الأرض وتحسس كل مفاصلها كلما سنحت الفرصة نشاهد ونستمع إلى قائد السفينة وربانها عبد الله بن عبد العزيز في خطابه السنوي في مجلس الشورى، وقد تعودنا منه- حفظه الله- حرصه الأصيل في ذاته الكريمة على أبنائه المواطنين ونعي ونعلم علم اليقين أن من يحمل مثل هذه المعاني النبيلة لا يملك إلا أن يكون إنساناً تشعله تطلعات الإنسان ونبوغه وحماسه للارتقاء والتقدم مهما كان وطنه أو لونه أو دينه، وتؤلمه وتحزنه دمعة وجوع ومرض هذا الإنسان أيضاً.. لمجرد أنه إنسان، وبين هذا وذاك تحتفظ ذاكرة كل فرد منا بكم لا بأس به من الصور التي تحيل الإنسان الى مراتب أقل من الحيوان تصدر من قادة وزعماء، ورغم هذا لا يعدمون من يروج لهم ويغير ملامح صورهم ويصورهم أبطالاً لم تعرف البيد مثلهم، وكتبت أسماءهم بماء الذهب أحياناً وبالورد أحياناً أخرى، ولكن لا تلبث مثل هذه النماذج أن تنتهي وتتلاشى لتتحول إلى ومضات سوداء تتمنى الصفحات لو لم تحتوها.
لتبقى الصور المنتمية بصدق ناطق نعم أيها الأعزاء ماذا يمكن أن نسمي تلك الدمعة العزيزة التي فرت من عين الوالد القائد عبد الله بن عبد العزيز أثناء تقبيله بعض الأطفال الذين فقدوا آباءهم وهم يؤدون واجبهم لصون مكتسبات هذه البلاد من العابثين..... إن تلك الدمعة الغالية كانت أبلغ من كل الخطب وأكثر سرعة للوصول إلى قلب المواطن من كل (الفبركات) السياسية والإعلامية.
إن كل ما تحتفظ به الذاكرة للوالد القائد تؤكد قربه من القلوب حتى أن الأطفال يتجمهرون أمام الشاشات عند ظهوره- حفظه الله- مرددين بتلقائية وبراءة.. هذي صورة بابا عبد الله.
والكبار ينتظرون في كل لقاء من القائد الوالد أن يزيح بيده الكريمة الستار عن مشروع أو ينفض الغبار عن مخزون يكمن في عمق هذا الشعب يعبر عن أصالته ونبله، أو يضع أصبعه على مكمن ألم لطالما تضجر منه كثيرون، ولكن لم يجرؤ أحد على مجرد المرور بالقرب منه .
كنت كبيراً يا خادم الحرمين وأنت تصدح بكبرياء وعزة في إحدى محافظات الوطن ان لا فرق بين مواطن وآخر أو منطقة وأخرى.. وكنت أكثر إثلاجاً للصدور المهشمة بالظلم والتسلط وأنت تعلن في محافظة أخرى بأنك ستدمغ بالحق هامة الباطل..
وهذا يا سيدي غاية كل الشرفاء والنجباء في هذه الأمة التي كثرت جراحها وقل أطباؤها.. وفي ليلة الوطن تلك يكمل ملك القلوب سيطرته التامة على كل قلب صادق نزيه وهو يقسم.. نعم إنه الملك الذي يقسم وأمام من؟ أمام الشعب بمؤسساته وقياداته وجميع الفعاليات يقسم بأنه يحاسب نفسه بل ويقسو في حسابها وأكثر من هذا.. يمارس جلد الذات من أجل من؟.. من اجل المواطن..أعزك الله ورعاك يا خادم البيتين لقد عكست المفاهيم في أفقي الضيق.
لقد قرأت يوماً في القانون الدستوري أن الذات الملكية مصانة، ولا يمكن الاقتراب منها أو نقدها، وأن هذا الأمر ضمن المناطق المحظورة، وإذا بي أسمع بأذني وأرى بعيني عبد الله بن عبد العزيز المؤتمن الذي يطمع ويطمح أن يؤدي الأمانة أمام الله والناس ويحس بثقل وجسامة الأمانة ، يقسم بأنه ينقد نفسه بل ويقسو عليها ويجلدها احياناً. في هذه اللحظة لا أخفيكم أيها الأعزاء أخذت الصور تتسابق إلى رأسي وبدأت أعضائي تضطرب فوجدتني أصفق ساعة وأهتف باسم أبو متعب ساعةً أخرى وسط دهشة أبنائي وأردد الآن فهمت أشياء كثيرة.. نعم فهمت الكثير ، هدأت قليلاً بدأت أستعرض الأشياء التي فهمتها فوجدت في قمة تلك الدروس أن الذات الملكية التي تمتلك مثل هذا الحس بعظم المسؤولية والأمانة لا يمكن إلا أن تكتب عباراتها في المدارس والجامعات ويحق لها بجدارة وحب بأن تكون مثلاً ورمزاً وطنياً ينزه عن كل المهاترات والتجاذبات، وأن مثل هذه الذات بمثل هذا الصدق والوضوح لن يستطيع أحد كائناً من كان أن يشوه صورتها الناصعة في قلوب أبناء الشعب الأوفياء.
أما الصورة الأخرى فهي صورة ذاك الأب الذي يحرص كل الحرص على أبنائه في الصغائر قبل الكبائر ويحاول تلمس احتياجات أسرته الصغيرة، وعندما يضع رأسه على مخدته في المساء يستعرض ماتم في يومه عله أخطأ على أحد ولم ينتبه أو قصر بحق أحد ولم يقصد هل قصر بواجبه تجاه أسرته، وزملائه ، وجيرانه.. اياً كان ذلك التقصير. وعندما يشك بأن سلوكاً (ما) قد فهم عكس ما أراد فآثر في نفس أحدهم يسارع بالاعتذار وهو الأكبر وهو من يعتذر له ويطلب السماح من الابن وهو الأب، إن هذا النموذج هو ما يحلم به الوالد القائد عندما يبدأ بنفسه رغم ثقته من المكانة الكبيرة التي يسكنها في قلوب أبنائه إلى أن هذا لا يمنعه من أن يحاسب نفسه بل ويقسو عليها .
ولعل الدروس المستقاة من هذا العنوان الكبير تنسحب على المسؤولين جيمعاً بلا استثناء وتطالبهم بالإحساس بثقل الأمانة وطعم السعادة عندما تزيح حملاً أرق وأحرق مآقي أخيك المواطن أيها المسؤول المبجل حاول أن تتخلى عن الإجابة عن الأسئلة المحفزة للمكاسب الشخصية، واقترب أكثر إلى تلمس احتياجات من ائتمنت على خدمتهم أياً كان موقعك، واجعل من قسم الوالد القائد عنواناً يومياً لأعمالك لأن النفس الكبيرة التي من أجل المواطن لن تتردد في وضع الحلول الكفيلة لتمكين هذا المواطن من نيل حقوقه بشرف وكرامة وكبرياء .