هل لدينا آلية لتفعيل (ثقافة النهضة التقدمية)؟ هل نتملك عقلية الفرز بين السلوك السوي (العمل الصالح) والسلوك اللاسوي (غير الصالح)؟ هل لدينا سياسات تعليمية تستهدف نشر ثقافة النهضة التقدمية التي ننشدها ونكرس إمكاناتنا لبلوغها؟ هل لدينا محفزات تحويل الطاقة إلى قوى محركة، وتحويل النشاط إلى سلوك مرغوب فيه يتحدد من خلاله علاقة الفرد برموزها وممتلكاتها؟
ولعل الإجابة على هذه الأسئلة ينهي إلينا معرفة كنه الثقافة التي نحن بصددها (ثقافة النهضة التقدمية) وما لدينا أنها تعنى جهاز القيم ومكتسباتها السلوكية والعلاقية والتحولات التكنولوجية ... فمثلاً قيمة الاستئمان تنعكس في سلوك التعامل مع ممتلكات الغير (فرد - أو جماعة) ومع ملكية الدولة (عامة تخص جميع أفراد الشعب) هذه القيمة وغيرها تعتبر محدداً للسلوك الإنساني، وكي يكون سلوك الإنسان رشيداً يتوجّب تحفيز القيم الأخلاقية المبتغاة وترتيبها حسب أولويات منهجية ووضع البدائل الممكنة والمتاحة (اجتماعية تعليمية، دينية ...) ووضع المعادلات العلاجية المناسبة والبدائل الممكنة، ونظم التصدي لأية صعوبات أو تحديات تعترض سبل المعالجة، ونعرض في مقالنا هذا قيمة أخلاقية عظيمة تحتل مكان الصدارة في معطيات الجهاز القيمي وهي قيمة الحفاظ على ممتلكات الغير ولو كانت في صورة ملكية الدولة، فهي ملكية عامة ذات نفع للجميع بمرافقها العامة كالمدارس والمستشفيات والمراكز والخدمات ووسائل النقل العام والمنتزهات والحدائق العامة ... وغيرها، فهذه القيمة هي قيمة محورية في مسيرة الإنسان الحياتية.
هذه القيمة قيمة تطبيقية فهي ليست مفهوما تطبيقياً أو دلالياً بل هي مشاهدة في الواقع يمكن قياسها وتقييمها، فإذ اختلت القيمة اضطربت سبل الارتقاء بإمكانات الإنسان المادية والأخلاقية، وانحسرت إزاءها القيم الدافعة للتحضر الإنساني والتي تعرقل مسيرة التطور والنهوض بالمجتمع وإحراز تقدمه .. إذن فحين نتعرض للملكية العامة للدولة ووجوبية الحفاظ عليها وعدم التعدي عليها أو النَّيل منها، فنحن على يقين من كونها نفع عام وترتبط بالمصالح المشتركة على مستوى الأفراد والجماعات مما يجعل حمايتها من الآخرين الذين هم أفراد المجتمع أصحاب المصلحة الأساسية وهي مجلبة للفائدة العامة.
إن حماية حقوق الآخرين أمارة من أمارات الحضارة وازدهارها ويرتبط بهذه القيمة الأخلاقية الحضارية ضمان حق استخدامها استخداماً أمثل، والانتفاع من قِبل الجميع وفقاً لضوابط وشروط الانتفاع، مما يتطلب وضع سبل تمكين كل من الأفراد والجماعات من استخدامها على نحو سليم دون المساس بكيانها أو حرمتها أو العدوان عليها بأي شكل من الأشكال بما يفسد جوهرها ويضيع فائدتها، وهو أمر مستهجن بطبيعة الحال، والإسلام يحض على عدم الإضرار بممتلكات الغير (فرداً أو دولة) من منطلق (لا ضرر ولا ضرار).
ويجدر بنا القول إن صلاح المجتمع في صلاح أفراده وهو هدف أسمى نُبلاً في تعاليم الإسلام، وعدم الإضرار بملكية الآخر كما أسلفنا القول واجب حتمي على كل فرد من أفراد المجتمع، كما وأنه ضرورة حياتية لا يمكن تجاهلها أو الغض عنها نظراً لارتباطها الوثيق بنهضة التنمية المستدامة على كافة الأصعدة، وفي جميع المستويات بعينة المتحضر قدما في طريق الرقي والتقدم والازدهار.
ولكن تحقيق هذه الغاية يستدعي تضافر الجهود بين الأسرة والمدرسة والمسجد ومراكز التوجيه والإرشاد ووسائل الإعلام الجماهيري وذلك لتعريف الشباب بواجبهم حيال ممتلكات الدولة ومرافقها التي يتطاولون عليها أحياناً هدماً وتخريباً وتصدعاً وعلى سبيل المثال: شق مقاعد وسائل نقل الركاب والعدوان على دورات المياه في المدارس لدرجة نزع (البزبوز) أحياناً وعدم غلق الصنبور وخلع النوافذ والأبواب، وتخريب برادات المياه والمكيفات وصناديق البريد، ولم تنجُ المستشفيات أيضا من هذا العدوان والتخريب، وإن قلنا لماذا وما مسبباته .. قالوا مطلب السن وخصائص وقلق المراهقة وتأثير الفضائيات؟ مما أدى إلى اهتزاز القيم والدلع (بأفلام الأكشن) وعدم الإحساس بالاطمئنان النفسي .. شباب من هذا النوع المدمر يحتاجون للتوجيه والإرشاد من قِبل الاختصاصيين، يحتاجون لمخاطبة العقل وتمكينه من أداء دوره الفاعل في تحقيق الحماية الواجبة للملكية العامة والتعامل معها على نحو سليم لتحقيق النفع والفائدة للجميع، وهذا يحتاج إلى إعادة نظر في طرائق التعليم والتربية والعمل على الارتقاء بالعقل الإنساني ليتمكن من مواجهة تحديات التغير الاجتماعي ومصاحبته ليتعايش بثقة مع متطلبات العصر، العلم وتطبيقاته، وهي مسؤولية التربية في المحل الأول، فالمرحلة حساسة تحتاج لدعم متواصل لتطوير مؤسسات الثقافة ونشر برامج الوعي والتنوير ولا بد من تكاتف الجميع في هذا .. (أصلح) الله شبابنا وهداهم إلى الطريق الصحيح النافع لهم ولمجتمعهم ووطنهم إنه على كل شيء قدير.