في خطوة شبه متوقعة خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأمريكي) وهو مثل مؤسسة النقد عندنا (ساما) خفض سعر الفائدة على الودائع (ثلاثة أرباع) نقطة مئوية ليصبح سعر الفائدة الأمريكية 2.25% على كل دولار لتشجيع الاستثمار والحد من ادخار المواطنين لأموالهم في البنوك كخطوة من ضمن خطوات أخرى تهدف جميعها إلى تجنب الركود الاقتصادي والانهيار المالي لأمريكا، ولكن هذه الخطوة قد تزيد الضغوط على الدولار الأمريكي(1).
ماذا سيحدث للاقتصادين الأمريكي والسعودي؟
بالنسبة للأول فسيزيد الإقبال على الاستثمار داخل أو خارج أمريكا من الأمريكيين إذا إن سعر الفائدة على الودائع داخل أمريكا غير مجزٍ، فيدور الاقتصاد الأمريكي بسرعة أكبر وتتحسن الأوضاع نتيجة لزيادة الاستثمار وخلق وظائف جديدة، لكن هناك عقبة البنوك الأمريكية حيث تمر بأزمة كبرى وهي أزمة التمويل العقاري، فكل أسبوع نسمع عن انهيار أحد البنوك الأمريكية الكبرى، أي أن استجابة البنوك طلبات الاقتراض من المستثمرين والمؤسسات لن تحل مشكلة شبه الكساد الذي حل بالاقتصاد الأمريكي إلا جزئيا عن طريق البنوك التي لم تتضرر كثيراً من أزمة التمويل العقاري.. نأتي للاقتصاد السعودي والمرتبط نقدياً بالدولار - وهو قرار سياسي وليس اقتصادي - حيث ستخفض مؤسسة النقد الفائدة على الودائع وتبقى النسبة على الاقتراض كما هي (5.5%) وذلك ليس لتشجيع الاستثمار، بل هو لارتباط الريال بالدولار فالسيولة النقدية في المملكة كبيرة للغاية في أيدي المواطنين السعوديين. ويومياً أصبحنا نسمع عن الاكتتاب بخمسة أضعاف أو حتى عشرة أضعاف المبالغ المطلوبة للاكتتاب في الشركات المساهمة الجديدة، ومثل هذه السيولة ترفع من حجم إجمالي الطلب العام مما يساهم مساهمة كبيرة في ارتفاع التضخم وأصبح من ضمن عوامل أخرى يدفع نسبة التضخم إلى الأعلى (ولسنا هنا نناقش أسباب التضخم بل في مقال قريب إن شاء الله) وعلى مؤسسة النقد السعودي امتصاص جزء كبير من هذه السيولة عن طريق رفع سعر الفائدة على الودائع وليس خفضها، فيجد المواطن قناة مجزية للتحصل على عوائد مرتفعة تغريه لوضع أمواله في البنوك حيث تتوفر للمستثمرين قناة إقراض وبسعر معقول (5.5%) مما يزيد من الاستثمار المنتج مثل القطاع الصناعي الذي تتوفر أمامه عناصر الإنتاج بميزة تنافسية للغاية، وهو توفر رأس المال والمواد الخام مثل الكيماويات والبتروكيماويات، وعلى المملكة استغلال هذه الميزة النسبية لتشجيع المستثمرين على الاستثمار في هذا القطاع في المدن الاقتصادية الجديدة بحيث تزيد نسبة إنتاج المملكة إلى 50% على الأقل من الإنتاج العالمي بدلا من 10% وهي النسبة الحالية.. هناك نقطة أخرى فقد حان الوقت أمام الحكومة السعودية لاتخاذ قرارها بربط الريال بنسبة 50% للعملات القوية وإبقاء 50% مرتبط بالدولار مثل ما فعلت حكومة الكويت بقرار جريء لكنه اقتصادي بحت، لأن ما يحدث هو ارتفاع قيمة الريال السعودي الذي تدعمه أسعار النفط المرتفعة بشكل لم يسبق له مثيل. والمستفيد من ذلك هم المضاربون وليس الحكومة السعودية التي تتقاضى كسعر للنفط المصدر بنسبة لا تزيد عن 60% من السعر المعلن للنفط.. هذا بالإضافة إلى استفادة السائح السعودي الذي يصرف مبالغ طائلة في فصل الصيف وبعملة ضعيفة للغاية في الوقت الحاضر وهي العملة السعودية التي انخفضت بشكل هائل أمام العملات الأجنبية الصعبة وهي اليورو الذي أصبح يساوي 6 ريال لليورو الواحد بدلا من 4 ريالات منذ سنتين، أي أن الريال فقد 40% من قوته أمام اليورو.. وهنا لنا اقتراح سيؤخذ به إن شاء الله وهو إنشاء الحكومة السعودية لصندوق خارجي يقوم بتحويل العملات الفائضة لدى الحكومة السعودية وهي بالدولار حالياً إلى أصول استثمارية في مختلف دول العالم بشراء أسهم وسندات مضمونة في الشركات الصناعية الكبرى ولدى بعض الحكومات التي تطرح سندات حكومية لفائدة عالية نسبياً، وهي مضمونة الدفع واختيار الدول ذات الاقتصاديات القوية للحد من المخاطر وتنويع المحافظ الاستثمارية السعودية قدر الإمكان.
والله الموفق.
----
(1) ستخفض مؤسسة النقد السعودي سعر الفائدة على الودائع بنفس النسبة وأبقت نسبة الاقتراض 5.5% كما هي، وهو ما حدث بالفعل والمقال تحت الطبع.
د. أحمد صالح التويجري
وكيل وزارة الصناعة والكهرباء (سابقاً) ومدير عام بشركة الموارد القابضة حالية.