المؤتمر الدولي المائي الثالث الذي تستضيفة المملكة منتصف نوفمبر القادم حول الموارد المائية والبيئة، يجعلنا أمام مهمة ومسئولية هامة أولتها الدولة جل اهتمامها من التثقيف والدعاية التوعوية, بعدما بدأت الحقائق تتكشف حول استهلاكنا الشره للماء وإسرافنا في استخدامه بغير وجه حق، وبطريقة عشوائية بعيدة عن الوعي والالتزام المدني المطلوب من كل مواطن تجاه قضايا مستقبله وأمان قادم الأيام للأجيال والأمن المائي الذي هو طبعاً جزء لا يتجزأ من الأمن الإستراتيجي بشكل عام.
حديثنا عن إشكالية المياه لا يندرج فقط في الإطار المحلي، ونعني به ترشيد الثروة المائية وتوفير الإمكانيات الحيوية لذلك وكأن القضية ذات طبيعة محلية بحتة، بل إن الأمر يتعدى ذلك إلى الحديث عن أمان المستقبل كما أسلفنا، حيث تفيد الكثير من التقارير الدولية التي تعنى باستشراف المستقبل أن النزاعات القادمة بين الوحدات الدولية سوف تتمحور حول نبع الحياة المهدد بالشح والنضوب نتيجة الإسراف باستغلاله وعدم معرفة قيمته الإستراتيجية.
وهذا ما يقودنا إلى القول أن الأمن العربي بشكل عام يعاني في جزء منه من إشكالية الأمن المائي. فدولة إسرائيل التي تضرب صنوفاً وأمثالاً من الحرص في دفاعها عن مستقبل أجيالها وبشكل متطرف يصل إلى القناعة بقتل الآخرين مقابل أمنها المستقبلي وليس الحالي, تنظر الآن بعين الجشع والطمع إلى موارد المياة العربية من أجل احتكارها وتوظيفها لأجل حماية أمنها القومي والمائي بشكل عام. وهذا ما يضيف إلى معضلة الماء في الوطن العربي بعداً آخر، فبعد أن كانت الإشكالية تتمحور حول الترشيد والإسراف والتصحر وعوامل النضوب الأخرى أصبحنا نعاني من بعد سياسي في الأمر يضاف إلى ما سبق ذكره.
إن وضع إستراتيجية عربية شاملة للأمن المائي تتمحور حول ربط العلاقة بين قطرة الماء وثقافة استغلالها لهو من أهم الضروريات التي باتت الشخصية المدنية العربية بحاجة إليها بحيث يصبح الأمن المائي مسئولية جماعية ضاربة بالالتزام لجميع مكونات المجتمعات العربية، كما أن المجتمع المدني العربي على ما به من قصور عام لا يعفى من المسئولية في ذلك، حيث يُطالب بطرح المبادرات والمشاركات في هذا الخصوص ليتحول موضوع الأمن المائي من قضية تُرمى على عاتق الدولة إلى مسئولية جماعية تُلقى على عاتق الجميع، فتصبح قضية فكر وثقافة وممارسة ترمي بعصا الحل إلى قادم الأيام.