شاهدت قبل نحو عام برنامجاً على قناة مصرية أرضية.. إذ كنت أقضي إجازة فيها.. يدور البرنامج حول الغزو الوهابي للحياة الاجتماعية في مصر.. وينتقل البرنامج عبر زوايا متعددة يلتقط أوجه التأثر التي حلت كبقع سوداء على الثقافة المصرية، كما أراد لها المخرج والمعد والمقدم والضيوف المشاركون، فاللحى الطويلة، والثياب القصيرة، والأردية السوداء الطويلة التي تجلل النساء والقفازات السوداء والجوارب السوداء والأحذية المطاطية السوداء التي تظهر على استحياء من أسفل جلابيات النساء الطويلة.
كانت الكاميرا تقترب وتبتعد لتظهر تلك الشخصيات وكأنها قادمة من كوكب آخر.. ثم تعود لتظهر صوراً للشوارع المصرية في السبعينيات حيث التنانير القصيرة جداً تعتلي ركب النساء وصدورهن المكشوف أعلاها وتسريحات شعرهن المرتبة وخصورهن الناحلة وأحذيتهن العالية الكعوب.وتنتقل إلى وجوه الرجال الناعمة كوجوه الصبايا بلا شارب أو لحية وبدل وقمصان فاخرة تنتمي لماركات هامة عالمياً.
ثم بعد ذلك كله يطلّ أسامة عكاشة ليعيد اسطوانته المشروخة التي تظهر جرحه الذي لم يندمل حيث عمل في السعودية في أوائل الثمانينيات وكان مكفولاً لأحد رجال الأعمال.. فظل لا يذكر من السعودية إلا وجه كفيله على الرغم من أنه كاتب درامي يفترض أن يكون عارفاً ببواطن النفس الإنسانية وإنها نفس حرة لا يقيدها المكان ولا الزمان ولا تنتمي إلا لمجموعة من أخلاقياتها الخاصة التي لا تخضع للمطلق، فليس هناك خير كامل، وليس هناك شر كامل والإنسان بين أصابع الرحمن يقلبه كيفما شاء فإن اتبع شيطانه في أي مكان أو زمان كان شريراً وإن أصاخ بسمعه لصوت الحق والعدل كان خيراً.
ثم يطل رفيق دربه الآخر جمال الغيطاني.. ليكيلا للخليج ونفطه نقم الدنيا والآخرة ويريانه بعين لا ترى ولا تقع إلا على ما هو قبيح، فنحن في نظرهما بدو وقعت حوافر إبلهم على زيت في صحراء مقطوعة.. صدرنا لهم الحزن والموت والبشاعة في الملابس وغيرنا خارطة التفكير العام في مصر وأنزلنا من مستوى الذائقة الجمالية التي يتسمون فيها.
لقد عاد المصريون والمصريات من أرض السعودية بثلاجات وغسالات وبرادات مياه ومكيفات هواء وسيارات، وكل الآلة الحديثة للحياة.
لكنهم أضاعوا في رمضاء الصحراء كل ثقافتهم المصرية الفرعونية العظيمة..
فعادوا معمعمين.. ومتلفعات.. تعلوهم الحجب الركامية التي لا يرى فيها إلا السواد!!
** هل نجحت وزارة الثقافة والإعلام في خلع النظارة السوداء التي يرتديها الغيطاني ليرى الرياض كما يرى زقاق المدق، هل رأى النادي الأدبي في الرياض كما يرى قهوة الفيشاوي.
** هل ما زال لدينا من يمتلك الأمل بسياسة الاحتواء، هل ما زلنا بحاجة لأن نحتوي من ينفث في وجوهنا ريقه المرّ!!
Fatemh2007@hotmail.com