في كل مرة أتحدث عما يمس المملكة في إعلام إخواننا العرب تصلني رسائل قليلة ولكنها مهمة في جوهرها. الذي يتابع كتاباتي لا يلاحظ فيها أي نقد للعرب الآخرين. لا أتعرض لهم عند الإساءة بل أتوجه باللوم عادة للأجهزة السعودية المعنية بالأمر عندما تتخلف عن أداء دورها. لكن يبدو أن إخواننا العرب تعودوا منا الصمت وتمرير الإساءات والتحدث عن الأخوة فقط. في كل مرة يذكرني إخواننا العرب بأنهم هم الذين علمونا. يختمون رسائلهم بالتعويذة التالية: مين علمك تكتب الكلام ده؟
في السنوات الأولى من الابتدائية علمني عدد من المصريين ولكن هؤلاء اختفوا فجأة بسبب الخلافات السياسية التي اندلعت في ذلك الحين. بعدها تلقيت تعليمي على أيدي جنسيات مختلفة. فلسطيني، أردني، سوري، سوداني وسعودي أيضاً. أما التعليم الجامعي فالخليط أوسع وأكبر. بالإضافة إلى اخواننا العرب كان هناك إنجليز وأمريكان وأستراليين وكنديين وهنود وجنسيات أخرى. أنا مدين بتعلمي الكتابة والقراءة لشعوب لا حصر لها وليس لشعب محدد.
بغض النظر لا أعرف ما هو الاستحقاق المطلوب مني تجاه الشعوب التي تعلمت على يدها الكتابة والقراءة. وحتى إذا كنت كريما ووفيا وأشعر بالامتنان هل هذا يعني أن أكون مستعداً للإساءة والابتزاز وأصمت. والأهم: هل الشعب السعودي هو الشعب الوحيد الذي تعلم على يد غيره. العالم يعرف أن وادي الرافدين كان مهد الحضارة ومع ذلك لم نسمع أن الشعوب تشد الرحال كل عام إلى هناك تقدم للعراقيين فروض الاحترام والولاء والطاعة. ولا يعني أن على الشعب الياباني أن يصمت في حضرة الألماني لأنه في يوم من الأيام تعلم على يده. هناك شيء اسمه حركة التاريخ الطبيعية. الشعوب تتبادل المعرفة وتتواصل وكل شعب يأخذ عن الآخر. فإذا كان السعودي مدينا للمصري مثلاً فهو مدين أيضاً للأمريكي ومدين للإنجليزي. علينا أن نتذكر أن عدد الجامعيين السعوديين المتخرجين من الجامعات الأمريكية أضعاف آلاف المرات من عدد الجامعيين المتخرجين من الجامعات المصرية والعربية، ومع ذلك لم أسمع أمريكيا أو إنجليزيا يعيرني بأنه هو من علمني. إذا كان على السعودي أن يقف احتراماً لكل من علمه فسوف يبقى واقفاً باستمرار ولن يجلس أبداً. الشعب السعودي ليس الشعب الوحيد الذي تعلم على يد الآخرين. لا يوجد شعب لم يلجأ لشعب آخر يتعلم منه. هذه سنة التاريخ. بديهية من بديهياته. وإذا كان الشعب السعودي مفروضا عليه أن يخنع لكل من درسه فسوف يأتي كل من ساهم في نهضته ويذكره بفضله عليه. سنكون مباحين لليمنيين لأنهم ساهموا في بناء منازلنا والكوريين لأنهم ساهموا في بناء عمائرنا وشركة بكتل وإعمار الإماراتية. إذا علينا أن نصمت عن كل إساءة تأتي إلينا من العالم كله وفاءً وعرفاناً بالجميل.
هناك سؤال أحب أن اسأله اخواننا العرب: إلى متى وأنا مدين لمن درسني؟ إذا كنت مديناً لأستاذي هل هذا يعني أن ابني مدين لابنه وحفيدي مدين لحفيده وحفيد حفيدي مدين لحفيد حفيده؟. متى تتوقف هذه النغمة الاستعلائية؟ متى نتخلص من هذا الابتزاز ويعرف الجميع أن الأيام دول.
فاكس 014565576
yara.bakeet@gmail.com