بكل صدق نقول: (ما شاء الله) على خطوات مجلس الشورى ونشاطه الذي لا يهدأ ونقاشاته التي تقتحم مجالات عدة، كما أن نتائج جلساته ومحصلة كل دورة، خصوصاً في الأعوام الأخيرة تتجه نحو معالجة الكثير من قضايا المجتمع وشؤونه ليصحح أوضاعاً قائمة ويدعم حياة شرائح كثيرة، ومن ذلك قراراته تجاه المستحقين الذين هم بحاجة إلى رعاية أكثر، والحمد لله تبادر الحكومة بروح عالية سباقة من منطلق المصلحة العامة للمواطنين، واعتماد وإقرار توصيات مجلس الشورى وقراراته إلى جانب ما تتخذه الوزارات للارتقاء بحياة المواطنين وبدرجة أكثر تجاه الشرائح الفقيرة وأسر الأرامل والمطلقات وذوي الاحتياجات الخاصة.
والمتابع لإنجازات مجلس الوزراء ومجلس الشورى ووتيرة أعمالهما معاً، يجد هذا التعاون واضحاً ومثمراً في القطاعات كافة، ولكني أخص تحديداً الأمور ذات الصلة بحياة المواطن خصوصاً الشرائح التي أشرت إليها، ففي كل جلسة من المجلسين الموقرين نلمس قرارات جديدة، وفي نقاشات مجلس الشورى تتوالى الأفكار والاتجاهات لتقترب كثيراً من الواقع، بل تتعامل معه بدرجة عالية من الصدق والفعالية لتخفيف أعباء الحياة عن كاهل المواطن ودعم الشرائح الفقيرة ورفع المعاناة عنها.
أخيراً وليس آخراً الدراسة التي يعكف عليها مجلس الشورى عبر لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب لتوسيع توصية بشأن تخصيص مقاعد دراسية بالجامعات والكليات والمعاهد، ووظائف لأبناء المطلقات والأرامل والأسر الفقيرة وذوي الإعاقة والمستفيدين من الضمان عموماً مهما كانت درجاتهم في الثانوية العامة، ومما اطلعنا عليه دراسة مجلس الشورى لخطة وطنية لمعالجة ظاهرة انحراف بعض الشباب أخلاقياً وفكرياً واجتماعياً، ولاشك أن هذا الاهتمام هو الوجه الآخر للخطة الوطنية لمعالجة الانحراف الفكري والأخلاقي، وهذا يؤكد عمق الرؤية التي تتعامل بها الدولة بمؤسساتها كافة لتعزيز الاستقرار الاجتماعي.
إذا ربطنا هذه الحزمة الكبيرة من القرارات ذات الأبعاد الاجتماعية وسرعة اعتمادها وتنفيذها سنجد بالفعل سياق واضح من العمل تجاه المتغيرات والواقع وبآليات تتجاوز الاجتهادات الفكرية أو دور الجمعيات الخيرية التي هي أيضاً يظل المجتمع بحاجة إليها باعتبارها أوردة للاستقرار الاجتماعي وقنوات تغذي أبناء المجتمع وشرائحه المستهدفة من خطط التنمية الاجتماعية، أما جهد الدولة فهو الأساس والمظلة الأوسع التي تؤمن للمجتمع استقراره نظراً لإمكاناتها وقدرتها على تنظيم العمل التنموي بأبعاد الاجتماعية وضمان انتظامه وديمومته.
مثلاً إذا قلنا أن عدداً من رجال الأعمال يسعون للبذل في صور عدة جزاهم الله خيراً، ومن ذلك تقديم التبرعات وتوفير منح دراسية لأبناء الفقراء أو إعالة أسر.. كل هذه شيم طيبة وروح أصيلة، لكن عندما تصبح هذه المشروعات الاجتماعية ضمن مسؤوليات الوزارات المعنية ومن ذلك تخصيص مقاعد لأبناء الأرامل والمطلقات والفقراء والمشمولين بالضمان، فإن وزارة التعليم العالي في هذا المجال تسهم في ضمان استقرار تلك الأسر بشأن تعليم أبنائها وإنقاذهم من ثغرات وظروف التعثر واستكمال التعليم بسبب الحاجة وضيق الحال، خصوصاً وأن الكثير من تلك الأسر لا عائل لها أو من عجزه عن توفير الدخل الكافي.
في المقابل عندما يتوفر التعليم المناسب لأبناء هذه الشرائح وهم أبناء الوطن فإن هؤلاء الشباب ينشأون على الاستقرار النفسي والفكري ويستقون الوفاء وليس الجحود أو النكران أو الكراهية التي قد يسببها الحرمان أو عدم التفات المجتمع له، وبذلك يستطيع بعد تعلمه وتخرجه وتوظيفه أن يرد الدين لأسرته والوطن بأن يعولهم ويحسن رعايتهم وأن يتفانى في خدمة وطنه ويكون عضواً نافعاً.
ثانياً إن الفقر مع ضعف فرص التعليم العالي لأعداد كبيرة من محدودي الدخل والفقراء قد يؤدي إلى نتائج خطيرة تؤثر على استقرار المجتمع وسلامته، فقد يقع منهم البعض فريسة لترويج مخدرات لا سمح الله، أو أعمال مشبوهة أو يكونون ضحايا وفريسة سهلة لعابثين بأخلاق المجتمع، والأخطر من ذلك كله أن يقع البعض ولو قلة في براثن الفكر الضال الذي يغذي الشعور بالعداء للمجتمع، والتعليم هنا يمثل البناء الأفضل، حيث ينير للشاب الطريق وبعمر نفسه بالخير تجاه وطنه ومجتمعه الذي سانده ورعاه، فجزى الله الدولة خيراً على كل هذه الخطوات.
لذلك ندعو بقلب صادق لهذه الجهود بالتوفيق، وإن كانت المسؤولية الاجتماعية واسعة وليست على الدولة فقط، ولا تقتصر على هبات رغم قيمتها، لذلك لابد من توسيع شرايين هذا التكافل الرائع، وصدقوني إنه الخير بعينه عندما تشعر هذه الشرائح بالأمن الاجتماعي والنفسي وبالحياة الكريمة مع هذه الرؤية الحكيمة والجهد المتكامل من الدولة إلى جانب دور رجال الأعمال والموسرين، وهنا تكمن الركيزة الأولى في التحصين النفسي والوعي الفكري والاستقرار الحقيقي.
إن الرؤية الأهم في هذه الطمأنينة الحياتية أن المال رغم أهميته ليس وحده كفيلاً بإنقاذ شرائح كثيرة من ظروفها الصعبة بفقد عائلها أو بظلم ظروف الطلاق الذي يخلف مآسي ويسيء لاستقرار المجتمع، وبالتالي فإن توسيع وتعميق مفهوم الرعاية بمظلة واسعة تتعامل مع صعوبات الحياة بشكل أساسي لضمان استقرار العيش والستر يسهم بشكل مباشر ومن أقصر الطرق في روح الترابط، فهؤلاء وكل محدودي الدخل، بل متوسطي الدخل أيضاً هم أساس المجتمع ولا يجب أن يسقطوا من مقاييس مستوى المعيشة وخطط تحسينها، والرخاء لا يقاس بشريحة الأغنياء وأصحاب المال والأعمال فقط، وبالتالي كلما اتجهت الجهود نحو تلك الشرائح المستحقة، كلما أضيفت لبنات حقيقية في رفع مستوى المعيشة، والبسطاء بطبيعتهم يسعدهم أي اهتمام نحوهم.
أختتم بالإشارة إلى المكرمة الغالية التي أمر بها ولي الأمر حفظه الله، لمساعدة وإعانة المتضررين من البرد في مناطق مختلفة، فقد أثلجت صدور المواطنين وأسهمت حقاً في إعانتهم على تلك الظروف، وهذا يؤكد ولله الحمد الوتيرة السريعة نحو المزيد من العيش الكريم لكل المواطنين، وبالتالي لابد من تفاعل رجال الأعمال بمبادرات وطنية تجاه المستحقين من أبناء الوطن، فما أعظم قيمتها في استقرار المجتمع مقارنة بالأرقام المفزعة المفجعة في خسارة سوق الأسهم والتي تقدر بأكثر من 174 مليار ريال في يوم واحد، فأين هي من التجارة مع الله في رعاية أبناء الوطن. نسأل الله العون والسداد والرشاد.