يثبت خطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش الأخير بأن الرؤية الأمريكية تجاه الحرب في العراق تعاني من أزمة. ففي خطاب بوش ثمة ما يمكن تسميته بالعناد فيما يتعلق بقرار الحرب، فعلى الرغم من أن مبررات الحرب تداعت عندما تم الاعتراف بعد أشهر من الغزو بأن العراق لا يملك أسلحة دمار شامل، وبعد مرور خمس سنوات من الغزو وسقوط عشرات الآلاف من الضحايا في صفوف العراقيين، وأربعة آلاف قتيل أمريكي (حسب المعلن رسمياً إذ إن هناك شكوكاً بأن الرقم أكبر من ذلك بكثير)، بعد كل هذا يصر الرئيس الأمريكي على أن قرار الحرب كان صائبا، ويعد بانتصار كبير.
حرب العراق أهلكت العراق وأعادته إلى الوراء عشرات السنين، فبنيته التحتية دمرت، وآثاره نهبت، وثقافته تدهورت، وعقوله هاجرت، بسبب ضياع الأمن، وبسبب الفتن الطائفية والتناحرات السياسية التي أفرزتها مرحلة ما بعد سقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.لقد كلفت حرب العراق حتى الآن عشرات المليارات من الدولارات، وأرهقت الاقتصاد الأمريكي، حتى دفعت الآلاف من الأمريكيين إلى التظاهر ضد الحرب والانسحاب من العراق، لحماية ما تبقى من الجنود الأمريكيين، والتفرغ لمشاكل الاقتصاد التي أثبتت الاستطلاعات بأنها أهم بكثير من العراق، هذه الاستطلاعات التي يقول عنها نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني إنها يجب ألا توجه القرارات السياسية الخاصة بالعراق في إصرار غريب على تجاهل نتائج الحرب الكارثية.ولم تقف النتائج السلبية لغزو العراق على العراقيين فحسب، وإنما أثرت سلباً على المنطقة برمتها بتحويل العراق إلى منطقة جذب للإرهابيين, وساحة مثالية لتنظيم صفوفهم، الأمر الذي يشكل خطراً على دول الجوار والمنطقة وأمريكا نفسها. وبدلا من أن يكون غزو العراق في صالح الحرب على الإرهاب كما كان يقول المحافظون الجدد، أصبح في صالح الإرهاب نفسه.فالقاعدة بات لها موضع قدم في العراق، كما أن إيران بات لها موضع قدم أكبر بتحالفها مع المتطرفين الشيعة، فجاءت حرب العراق في صالح أعداء أمريكا، بدلاً من أن تكون ضدهم.
وما يزال الجناح الجمهوري يشدد على الخطاب نفسه، فهذا جون ماكين المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية يؤكد على صواب غزو العراق، على الرغم من أن المؤتمر الصحفي الذي عقده مؤخرا يؤكد عدم درايته بمجريات الأحداث هناك عندما اتهم إيران الشيعية بدعم القاعدة السنية، هذه الزلة التي منحت الديمقراطي باراك أوباما فرصة التندر والسخرية من ماكين.
لا بد من مراجعة الخطاب، وتصحيح الرؤية، حتى يتم إنقاذ ما يمكن إنقاذه وإلا فإن الأمر سيسوء ولن تحقق الإدارة الأمريكية الانتصار الكبير الذي يتحدث عنه بوش، وإنما ستورث الإدارة القادمة مشاكل أمنية وسياسية ستثقل كاهلها وكاهل حلفائها.