لقد خطت بلادنا خطوات جبارة، وتطورت تطوراً سريعاً في جميع المجالات، وفي مقدمة هذه المجالات مجال التعليم، الذي كان له سبق الاهتمام والعناية لدى قيادتنا الرشيدة، وما مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير التعليم، إلا أكبر دليل على ذلك الاهتمام الذي شمل جميع أركان البيئة التعليمية، والتي من أهمها أولئك العاملون في حقل التعليم، والذين تحملوا عبء هذه الأمانة، لذا فإنه لا يختلف اثنان في أهمية دور المعلم، وأن على عاتقه مهمة هي من أعظم وأجل المهام، وأنه كلّف بأمانة هي من أنفس الأمانات، إنها مهمة التربية والتعليم، وأمانة الرعاية والتوجيه لأبناء الأمة، وتغذية عقول النشء والمحافظة عليها.
وإذا كان العاملون في كل مجالات الحياة محتاجين إلى من يرشدهم، ويوجههم ويشرف عليهم، حتى تتطور أعمالهم من حسن إلى أحسن، وحتى يرتفع مستوى الخدمة التي يؤدونها، وحتى يتزايد إنتاجهم وتعلو قيمته.
نجد هذا واضحاً في التجارة والزراعة والصناعة، وفي دوواين الحكومة ومكاتب الشركات، بل حتى الأندية الرياضية لها مشرفوها وموجهوها الذين يشرفون عليها ويمدونها بالخطط والخبرات.
والمعلم الذي هو مهندس المجتمع تعليمياً وتربوياً والذي على سواعده تطور المجتمع وازدهاره يعتبر مجاله من أكثر المجالات دقة وأشدها حساسية، فإذا كان غيره محتاجاً إلى الإشراف والتوجيه والتطوير، وإمداده بالخبرات والمعارف المتنوّعة فحاجة المعلم إلى ذلك كله أشد وأقوى! لقد تطور مفهوم الإشراف في العملية التعليمية، ومر بمراحل ثلاث بدءاً بالتفتيش ثم التوجيه ونهاية بالإشراف وكل مرحلة من هذه المراحل لها مفهومها وضوابطها وآلياتها التي يعامل بها المعلم. إن المعلم وهو يتعامل مع الإنسان، يتعامل مع إرادات مختلفة وميولات متنوّعة ونفسيات متفاوتة، المعلم يتعامل مع مادة أقل ما يُقال عنها إنها مادة متغيّرة متحرّكة، في حياة تتطور كل يوم والعلم فيها يصل في كل لحظة إلى جديد، ويكتشف من أسرار المجهول المادي الشيء الكثير، في عصر العولمة والانفتاح الإعلامي الذي له آثاره الإيجابية والسلبية، الذي يجعل المسؤولية في حقه تتضاعف، والتبعة تزداد لأنه هو الذي يتعامل مع القلوب الطرية والنفوس الزكية من أبنائنا، الذي بدوره يرعاها ويعدها للحياة والاندماج في المجتمع.
والسؤال المهم أين دور المشرف التربوي في الميدان التعليمي؟! وما مدى تأثيره على أداء المعلم؟!
لقد كان للمشرف التربوي فيما سبق تأثيره البيِّن على عطاء المعلم وتحسين أدائه، وكان المعلم يتهيأ ويستعد في كل فترة وحين لزيارات المشرف، ويحسب لها ألف حساب من خلال التحضير الكتابي والذهني، والوسيلة والأسلوب، لأن المشرف هو حلقة الوصل بين الوزارة والميدان، ولكن المتأمل في الميدان التربوي التعليمي الآن وأثر الإشراف التربوي عليه ليتألم لهذا الحال وما آل إليه من مستوى ومن ضعف، فقد قلّت زياراتهم للمدارس إن لم نقل إنها انعدمت تماماً وأصبحت مقتصرة فقط على من عليه ملاحظات ومتابعة في إدارة التعليم وما سوى ذلك فإنه لا يُزار ولا يُوجه ولا يُشرف عليه، واقتصر فقط على إشراف مدير المدرسة له بحجة أن المدير يعتبر مشرفاً مقيماً يملك من القدرة والكفاية ما يجعله أهلاً لذلك، والمدير إذا كان يملك الكفاية الإدارية فإنه قد لا يملك الكفاية الفنية التخصصية في تقييم المعلم، فقد يكون تخصصه مختلفاً عن تخصص المعلم، وربما طغت المجاملة والعلاقات الشخصية أو قل خوف المدير من إثارة المشاكل أثناء زياراته وتقييمه للأداء الوظيفي للمعلم، لذا لا نستغرب أنه بسبب ذلك أصبح 70% من المعلمين تقديرهم بين 97 و98 من 100!! رغم ما يشوب بعضهم من ضعف في المادة العلمية وقلة في استخدام الوسائل التعليمية أو في التحفيز ومراعاة الفروق الفردية والإلمام بطرق التدريس!!.. مما نتج عن ذلك الضعف البيِّن الواضح في تحصيل الطالب العلمي وخصوصاً في المراحل الابتدائية من حيث القراءة والكتابة وقواعد الإملاء وعلوم الرياضيات وكل هذا بسبب المعلم الذي تهاون في أداء رسالته ولم يجد من يتابعه ويشرف عليه!!... نعم هناك معلمون أكفاء جديرون بهذه الوظيفة، طوروا أنفسهم بأنفسهم من الأداء والتدريب، والبحث والاطلاع، ولكن حديثنا هو عن فئة (مكانك سر) الجامد على معلوماته، الذي لا يعرف التجديد ولا التطوير، بل ربّما لا يؤدي شيئاً من مبادئ التحضير اليومي لمادته! فمثلُ هذا أين المشرف التربوي عنه؟ بل أين إدارة التعليم منه؟
إنه نداء إلى معالي الوزير أن يدرك الوضع وأن يعيد للإشراف دوره، وأن يعزِّز مفهومه من حيث عودة المشرفين للميدان بتكثيف الزيارات الصفية، وعقد الورش التربوية وإقامة الدورات التدريبية والاجتماع بالمعلمين ورفع التقارير وإعطاء الحقوق من خلال ضبط الأداء الوظيفي، والعدل في التقييم المهني، وإلا فإن الحلقة بين الوزارة والمعلمين ستستمر في الفقدان إن لم نقل في الضياع والضحية هم أبناؤنا!!
Saad.alfayyadh@hotmail.com