وأحسنَ وجه في الورى وجهُ محسن |
وأيمن كف فيهمُ كفُّ منعم |
ما أجمل التسابق والتنافس في البذل في أوجه الخير وتشجيع الناشئة في اقتناص العلوم النافعة وحفظ كلام الله والتحلي بآداب الإسلام الذي تبقى آثاره الطيبة خالدة في نفوس الآباء والأمهات والأبناء عموما، فالأجر في مثل هذه البادرة الكريمة تكون مضاعفة الأجر، والحسنات عند رب العباد، وذكرى جميلة في الحياة لأن الذكرى الحميدة لها وقع جميل في نفوس المكرمين بل وفي نفوس أصحاب البذل في أوجه البر والإحسان والوفاء للأوطان مهاوي رؤوس الآباء والأجداد، ولقد حثنا ديننا الحنيف على السخاء وتوظيف المال فيما ينفع مستحقيه من أهل وأقارب وأبناء وطن، وسائر أفراد المجتمع، فالسعيد في هذا الوجود من وهبه المولى مالا ينتفع به في دنياه، ويقدم شيئا منه لأخراه، ولقد أجاد الشاعر حيث يقول حاثا على مضاعفة الإنفاق من خالص المال ما دام صاحبه حيا قبل أن تتسابق الأيادي في اقتسامه بعد رحيله مباشرة!! |
خُذ من تراثك ما استطعت فإنما |
شركاؤك الأيام والوراث |
ولقد سعدتُ بدعوة كريمة من أسرة الخراشي نقلها الصديق الوفي الدكتور سليمان بن عبدالله الخراشي استشاري طبيب العيون لحضور حفل جائزة أسرة الخراشي بمدينة أشيقر لحفظ القرآن الكريم والتفوق العلمي، ومن لهم أثر طيب من المواطنين مساء يوم الخميس 5-3-1429هـ برعاية الأستاذ عبدالله بن عبدالمحسن المغيرة رئيس مركز مدينة أشيقر، فلقد شخصت من حريملاء مبكرا شوقا إلى تلك المدينة الوادعة بلد العلماء ومنبع الآباء: أجداد أجدادنا الذين نزحوا منها منذ عقود طويلة من الزمن أي منذ 745هـ تقريبا، كما نزح منها في تلك الحقبة القديمة أجيال متتابعة، وخلق كثير انتشروا في كثير من البلدان مثل: منطقة سدير، وحريملاء، ومنطقة الوشم، وحوطة بني تميم وغير ذلك من البلدان والمدن المتعددة، فمدينة أشيقر يطلق عليها (رحم نجد). لكثافة من يرحل عنها لطلب المعيشة في أماكن أخرى، أو لأسباب وظروف خاصة.. لأن ظروف الحياة في تلك الحقب البعيدة يمر بها في بعض السنين قحط وقلة أمطار تضطر بعض الأسر إلى هجر موطنهم الأصلي إلى أماكن تطيب إقامتهم بها لوجود أسباب المعيشة والاستقرار بها، ولقد أجاد الشاعر البحتري حيث يقول: |
وأحب آفاق البلاد إلى الفتى |
أرض ينال بها كريم المطلب |
وعند وصولنا هناك كان في استقبالنا الشيخ الزميل عبدالرحمن بن عبدالله الخراشي وشقيقه الدكتور سليمان ولفيف من أبنائهما وأبناء أخيهما الزميل الراحل الأستاذ عبدالعزيز - رحمه الله -، وقد تبادلنا أطراف الحديث عن مدينتهم في سالف الأزمان، وعن تفانيهم في حبها المتواصل حتى عصرنا الحاضر، عصر تدفق المال بأيدي أهلها، وبذله في أوجه التقدم وتجميل بلادهم التي أصبحت تضاهي مثيلاتها من المدن الجميلة في جلب السياح والرغب في العودة إليها ممن قد رحل عنها في ماضي الأيام لتوفر وسائل الحياة بها في هذا العصر الزاهر من مساكن فاخرة وأسواق حافلة بجميع المتطلبات الحضارية، وكل ذلك من أسباب تعاون أهلها وتفانيهم في حبها، ولله در الشاعر ابن حمديس حيث يقول: |
ومن سار عن أرضٍ ثوى قلبهُ بها |
تمنى له بالجسم أوبة آيبِ |
ويقول السري الرفا حاثا على الاستمرار في التعاون والتضحية بالمال: |
إذا العبء الثقيل توازعته |
أكف القوم خف على الرقاب |
وبعد تناول طعام الغداء في ضيافة الدكتور سليمان بن عبدالله الخراشي في أحد بيوتهم الأثرية القديمة قمنا بجولة في بعض الأحياء القديمة للقرية التي امتدت إليها يد الإصلاح بترميم مساكن الآباء والأجداد وإبقائها على حالتها الأولى للاستمتاع بمشاهدتها وتسريح الأنظار في جنباتها، واستحضار كفاح من عمروها وعاشوا في أكنافها وترددوا بين أزقتها ومحلاتها، وتلاصق مبانيها كتلاصق قلوب أهلها تألقا ومحبة واحتراما لحقوق الجار، ولسان حالهم يتمثل بقول محمد الأبيوردي: |
ما ودني أحد إلا بذلت له |
صفو المودة مني آخر الأبدِ |
ولا أخون خليلي في خليلته |
حتى أُغيب في الأكفان واللحدِ |
وهذا هو شأن الأوائل في حفظ حق الجار وغض البصر عن محارمه، ثم مررنا على دار التراث بقرية أشيقر وشاهدنا المعرض الذي أقامته أسرة الخراشي الذي يحتضن الكثير من المخطوطات والوثائق النفيسة من وصايا ورسائل، وعقود عقارية قديمة جدا، ولقد ازدانت حيطان تلك الصالة الجميلة من الداخل بصور وأصول لتلك الذخائر التي خطها يؤنس البصر، ويعتبر من أهم مدخرات أهالي مدينة أشيقر.. بعد ذلك اتجهنا صوب المطل المتربع على حافة الجبل المطل على القرية القديمة وعلى حدائقها ونخيلها المتراصة، وعلى آفاقها المتباعدة، وبوجود مسجد كبير بني على النمط القديم..، كما شاهدنا الصالة الكبرى للاحتفالات والمنتديات التي تسع لأكثر من ألف زائر مع وجود عدد من المظلات للمتنزهين من أصحاب العوائل وغيرهم مع توفر وسائل الترفيه للأطفال، وكل ما ذكر على حساب بعض المتبرعين من الأهالي الذين عرف عنهم حب البذل السخي بأيد لا تمل الإنفاق لإظهار بلدهم بالمظهر المشرف الحضاري، والوفاء لآبائهم وأجدادهم الذين غابوا عن الوجود وتركوا آثارا خالدة تلوح بمآثرهم وإحياء ذكرهم على تعاقب الأزمان، وبعد صلاة المغرب بدأ الحفل التكريمي للمتفوقين والمبدعين من بنين وبنات في نفس الصالة الكبرى المشار إليها آنفا..، وقد حضره جموع غفيرة من العلماء والأدباء ورجال الأعمال وأولياء أمور الطلاب، وقد استهل بتلاوة آي من الذكر الحكيم رتله الطالب محمد بن سليمان الحميد، ثم كلمة أسرة الخراشي ألقاها الأستاذ محمد بن عبدالرحمن الخراشي، بعد ذلك توالى إلقاء الكلمات والقصائد الجيدة من فصيح ونبطي نالت إعجاب الحضور. منها القصيدة الفصحى جيدة السبك والمعنى لشاعر المناسبات الأستاذ الأديب إبراهيم بن عبدالرحمن المفدى، وغير ذلك من الكلمات والمداخلات الأخرى، وقبل الختام نهض الأستاذ عبدالله بن عبدالمحسن المغيرة لاستلام جائزة والده الراحل وهي جائزة الخدمة الاجتماعية ضمن عدد من الجوائز التي خصصتها أسرة الخراشي للنشاطات بالبلد، ثم ارتجل كلمة وجيزة عبر فيها عن بالغ شكره وامتنانه لأسرة الخراشي، بعد ذلك اتجه الحضور إلى المائدة الفخمة لتناول طعام العشاء ثم انصرفوا شاكرين ومقدرين على ما شاهدوه من أعمال جليلة ومشاريع خيرية تجاه موطنهم وكرمهم الحاتمي. |
مختتما هذه العجالة بقول الشاعر ابن الرومي: |
وحبب أوطان الرجال إليهم |
مآرب قضاها الشباب هنالك |
|