الحمد لله على قضائه وقدره، ففي يوم الأربعاء 20-2-1429هـ وصلني خبر وفاة ابنة عمي خولة السلمان وابنتها جوري ثم بعد أربعة أيام تبعتهما البنت الأخرى حنان نسأل الله أن يرحمهن، وكان ذلك نتيجة اختناق إثر حريق شب في شقة قريبة من شقتهم، وهذا الحدث قد هز القلوب هزا، وبكت لأجله العيون، وحق لها ذلك، فالفراق صعب، ويزداد صعوبة إذا كان الوداع لإنسانة غالية وامرأة فاضلة نقشت صورتها في القلوب وطاب ذكرها في اللسان، ويزداد الأمر صعوبة وشدة حين يكون لهذا الحبيب توابع من الذكريات وهما تلك الوردتان الجميلتان (جوري وحنان) فجوري على وزن روحي وحنان حنان القلب والوجدان، ويزداد الأمر شدة أعظم تلك النهاية التي بها انتقلت تلك الأرواح إلى باريها، ومع كل ذلك فالحمد لله على قضائه، وربنا العليم الحكيم لا يقضي قضاء إلا وفيه حكمة، والإيمان بهذا الإله العظيم يهون على الإنسان مصابه، أسال الله أن يتغمد الغالية برحمته وان يكلها إلى عفوه وفضله وكرمه وجوده وإحسانه ولا يكلها إلى عملها طرفة عين.
نعم لقد عرفت الفقيدة وجاورتها قبل زواجها سنين عديدة فكانت نعم المرأة خلقا وأدبا، ومن المبشرات أنها كانت رافعه سبابتها حين تغسيلها كما حدثتني بذلك من حضرن تغسيلها وقد قال عليه الصلاة والسلام (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) بل قبل ذلك كانت الطفلة جوري قد نزلت من شقتها إثر وقوع الحادث تجر سجادتها وهي متلفعة بخمارها الصغير، ومن المبشرات أن الفقيدة قد اعتمرت قبل وفاتها بشهر تقريبا ولم يكن الزحام على أشده فقبلت الحجر الأسود وتعلقت هي وزوجها وصغيراتها بأستار الكعبة تناجي الكريم وتطلب فضله ومغفرته.
ومن المناسبات العجيبة أن الغالية قد كتبت في احد المنتديات قبل وفاتها بساعات معدودة مقالا وكان عنوان مقالتها مرارة نزع الروح، وكانت قبل ذلك قد نقلت في ذلك المنتدى قصيده تدور حول الموت وكأنها تحضر لهذا الدرس العملي، وتساءلت الفقيدة من خلال القصيدة التي نقلتها عن مشاعر وشعور الناس تجاهها فيها لو قبض ملك الموت روحها، فهي تتساءل من الذي سيفقدها؟ ومن الذي سيبكي لأجلها؟ ومن الذي دعا لها في صلاته؟ ومن الذي يعزي لأجلها؟ ومن الذي استمرت صورتها بباله ولم تقف الصورة على أيام العزاء فقط؟ ومن الذي..؟ ومن الذي..؟
استفهامات عديدة، رأينا إجابتها بعد رحيلك أيتها الغالية، رأيناها عيانا بيانا، رأينا بأم أعيننا هذه الجموع الغفيرة ممن سمع بهذه المصيبة وتألم لها يستوي في ذلك القاصي والداني والصغير والكبير والذكر والأنثى، رأيناهم قد فاضت عيونهم ورفعوا أكف الضراعة ولهجوا بالدعاء أن يتغمدك الله برحمته ويسكنك فسيح جنته، اللهم إنا نشهدك على حبها وحب أهلها وذويها اللهم اجمعنا بهم في دار كرامتك ومستقر رحمتك.
وفي نهاية مقالتي أعزي بحبيبتي وابنتيها كل مصاب وأخص بذلك عمي سلمان وخالتي أم خولة وأقول لهما: أعظم الله أجركما وجبر كسركما لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى ولاشك أن لكما مع الفقيدة ذكريات الطفولة والصبا فإذا بدأت النفس تقلب صفحات الماضي والحاضر فالهجا للفقيدة بالدعاء فدعاء الوالدين حري بالإجابة، وإن ضعفت النفس فاستعينا بالصبر والصلاة وعليكما بكتاب الله فإن الله قال لنبيه عليه الصلاة والسلام (كذلك لنثبت به فؤادك) وتذكرا دائماً قول الله تعالى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ}، وتذكر قول النبي عليه الصلاة والسلام يقول الله تعالى (مالعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة) رواه البخاري. رحم الله أم جوري وأسكنها فسيح الجنات، وتغمدها بواسع الرحمات، وجعل ابنتيها شافعتين لها ولوالدهما وسابقتين لهما ينتظرانهما في الجنة.
اللهم ألهم زوجها ووالديها وإخوانها وأخواتها وأقاربها صبرا واحتسابا ويقينا وثباتا قال الله سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إذا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ } صدق الله ومن أحسن من الله حديثا.