لقد بات الصراع حميماً بين التربويين والواقع المرير من أجل تربية الأبناء، فظهور الازدواجية لدى الجيل الجديد من الأبناء أصبح يشكل مشكلة كبرى للمهتمين بشؤون التربية من المعلمين وأولياء الأمور وغيرهم، فمما يلاحظ على الأبناء من تشتت للذهن، والعيش في صراع داخلي، وفقد للهوية المتزنة، والاهتمام بتوافه الأمور، والتقليد الأعمى القولي والعملي لكل من هبّ ودبّ، والعزوف عن العلم، والانزلاق وراء الشهوات، والاستجابة للانحرافات الفكرية والعقدية ما هو إلا نتائج لتلك الازدواجية التي يعيشونها، ويلمسها كل من له علاقة بالشباب، حتى أصبحت تأخذ حيزاً كبيراً من النقاشات والحوارات لأهميتها، وما يترتب عليها من سلبيات تهدد استقرار الجيل القادم، فالانفتاح العالمي الذي نعيشه هذه الأيام، وتعدد مصادر تلقي المعلومات، وسهولة الاطلاع على كل شيء في الفضائيات ومن خلال الشبكة العنكبوتية، وانشغال أولياء الأمور (الآباء والأمهات) عن أبنائهم، وغياب القدوة الصالحة، وطبيعة الناشئة والشباب التي تركن إلى التقليد والمحاكاة والتأثر بالمشاهدة أكثر من السماع أدى إلى وجود الازدواجية لدى شريحة كبيرة منهم، فمثلاً أصبح من الصعوبة أن تقنعهم بضرر التدخين على صحتهم وهم يشاهدون من حولهم من أقربائهم أو ممن هم في الشارع أو مما يشاهدونه من مناظر دعائية ولقطات تمثيلية توهمهم بلذة التدخين وأنه عادة لا بأس بها، وربما اقتنع بعضهم بوجود بعض الفوائد له، وليس من السهل كذلك تربية الناشئة على نبذ العنف وهم يتابعون بشغف أفلام العنف المليئة بالمشاهد الدموية، ولقطات القتل بشتى الطرق، وباستخدام أنواع الأسلحة والمتفجرات، ويتلذذون بألعاب (البليستيشن) التي تغرس فيهم العدوانية والجرأة على ارتكاب الجرائم، وليس من السهل تربيتهم على التسامح ونبذ الخلاف والعيش في سلام وهم يسمعون في الأخبار اليومية العالمية انتشار الحروب وكثرة القتل ويشاهدون مناظر الأشلاء مقطعة والدماء مسيلة والمنازل مهدمة بسبب الخلافات، والفرقة في كثير من دول العالم، وليس من السهل تربيتهم على العفة والفضيلة وهم يتعرضون للحملات الإباحية التي اجتاحت العالم، وليس من السهل تربيتهم على بر والديهم والوالدان يكونان سبباً لعقوق أبنائهم بتقصيرهم وبتصرفاتهم وأساليبهم غير التربوية، وليس من السهل تربيتهم على أهمية العدل وهم يلمسون أن العالم لم يستطع أن يقدم شيئاً للشعوب التي عانت من سطوة الظلم، وليس من السهل تربيتهم على حب العلم والعلماء والجد والاجتهاد والفضائيات لا تألوا جهداً في بث الانحلال وإضاعة الأوقات، والاهتمام بسفاسف الأمور، وإظهار وتمجيد من لا يصلح أن يكون قدوة لهم، وصدق الشارع إذ قال: