Al Jazirah NewsPaper Friday  21/03/2008 G Issue 12958
الجمعة 13 ربيع الأول 1429   العدد  12958
(الجزيرة) تواصل فتح ملف (المنابر في مواجهة الفكر التكفيري) (3-4)
منابر الجمعة.. وكشف أكاذيب شعارات الفئة الضالة

الجزيرة - خاص

تواصل (الجزيرة) فتح ملف (منابر الجمعة في مواجهة الفكر التفكيري والإرهابي) فقد تعرضت في الحلقتين السابقتين إلى دور خطباء الجمعة في المواجهة، والمرتكزات التي يجب على الخطباء التأكيد عليها في كشف جذور هذا الفكر.

وفي هذا العدد نلتقي عدداً آخر من الخطباء للتعرف عن حقيقة الدور الذي قامت وتقوم به المنابر في مواجهة التكفيريين والإرهابيين.

المسؤولية الجسيمة

بداية يقول الدكتور محمد بن عبدالله بن الغامدي (إمام وخطيب مسجد قباء بالمدينة المنورة): إنه لا يخفى على ذي لب أهمية منبر الجمعة وأثره الكبير في المسلمين في علمهم وعملهم وصلاحهم واستقامتهم، منذ أن بعث الله تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أعظم من صعد المنبر وأصدق مَنْ تكلم عليه وأبلغ من خطب عليه، فكم علَّم ووجَّه وبشر وأنذر ونصح أمته من على منبره عليه الصلاة والسلام وكم نقل عنه أصحابه رضي الله تعالى عنهم ما كانوا يسمعونه وهو على المنبر.

واستمر المنبر على هذه المكانة إلى زماننا مع ما قد يعتريه من خلل أو ضعف بسبب إما من خطبائه أو ما يحيط بهم ويؤثر فيهم على مر العصور، وإذا كان المنبر فإن أول ما يعنيه هو خطبة الجمعة لما لها من عميق الأثر في نفوس الناس فهي جزء من صلاتهم، واستعدادهم النفسي والجسمي يختلف عن غيرها من المواعظ والتوجيهات وفي زماننا هذا تزداد أهمية هذا المنبر وتعظم لإزالة الشبهات، والرد على الأباطيل لأن الله تعالى يقول:{فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}، وأول بدعة وقعت في هذه الأمة هي بدعة التكفير بالكبيرة من قبل الخوارج في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ومرقوا بها من الإسلام، كما يرمق السهم من الرمية.

استشعار الأمانة العظمى

ويشير الشيخ علي بن صالح القرني (إمام وخطيب جامع غليان العمر بالفيصلية بمنطقة نجران): إن منبر الجمعة وخطبة الجمعة باب عظيم من أبواب تعليم الناس أمور دينهم وتذكيرهم بربهم ومعادهم، وتحذيرهم من الشرك والبدع والأهواء والافتراق، وكذلك هو مظهر عظيم وراقٍ لاجتماع الكلمة وتوحيد الصف وتآلف القلوب على الحق والخير، ويدل ذلك أن الشارع الحكيم قد هيأ الناس عند حضورهم لهذه الشعيرة العظيمة بالتكبير والنشاط والاغتسال، والتطيب ولبس أحسن الثياب ليكون لذلك الأثر العظيم على راحة النفس واطمئنانها وانقطاعها عما قد يكون سبباً لانصرافها عن استماع هذه الشعيرة العظيمة، بل بالغ الشارع في إحضار استماع الناس واستيعابهم فنهى عن الكلام واللغو أثناء الخطبة وحث ورغب على الدنو من الإمام ليكون ذلك أدعى لفهم ما يقول واستيعابه.

وكل ذلك وغيره يجعل الخطيب المخلص - واعياً - يستشعر ثقل هذه الأمانة العظيمة ويتقي الله في هؤلاء الناس الذين هيأهم الشارع له لتلقي ما يقول، عندئذ لا بد عليه أن يجتهد في الإعداد المتقن لها وأن ينصح للناس ببيان التوحيد الصحيح لهم وتحذيرهم من الشرك والبدع والضلالات، وتعليمهم أمور دينهم وعباداتهم، في عبارات شرعية أصيلة وقوالب رصينة بعيدة عن التطويل الممل أو الإيجاز المخل أو الكلام الذي لا فائدة منه.

وأنه من المعلوم عند ذوي البصائر ما جعله الله عز وجل لخطيب الجمعة من مثول في نفوس الناس ومن مكانة وقدر اكتسبها من عظم هذه الشعيرة العظيمة، لذا كان على كل خطيب ناصح أن يستثمر هذه الميزة لتحذير الناس من هذه الفتنة العظيمة (الفكر المتطرف والإرهاب) وكشف زيغه وانحرافه وضلالات أهله والتحذير منهم ومن مناهجهم وطرائقهم وبيان المنهج الصحيح لأهل الوسط أهل الحق العدول الخيار مما سيكون له بإذن الله أعظم الأثر في توضيح الحق للناس وسلامتهم بإذن الله (وإذا لم يكن الحق يُتلقى من على المنابر فمن أين يُتلقى؟) وإني أحسب بإذن الله أن إخواني الخطباء في هذه البلاد المباركة بلاد لتوحيد قد تكلموا في هذه القضية وما زالوا يتكلمون بعلم وتأصيل، وبمنهجية صحيحة تقوم على الكتاب والسنة واجتماع الكلمة - جزاهم الله خيراً - وقد تنوعت هذه المعالجة في توضيح أسباب هذا الضلال وبيان أصوله وفضح آثاره ومظاهره استرشاداً بكتاب الله وسنة رسوله وكلام أهل العلم الربانيين، كل بحسب ما وفقه الله إليه وفتح عليه وإني لا أظن بإذن الله أن أحداً من إخواني الخطباء ممن يحمل الغيرة على التوحيد وعلى هذه البلاد المباركة يهمل الكلام عن هذا الأمر العظيم وتوضيحه والتحذير منه، وإن حصل ذلك - لا قدر الله - فإنه إما من جاهل على غير الهدى والحق، وفي الجملة فقد يحصل تقصير أو خطأ فلا بد من التذكير والتواصي واستشعار هذه الأمانة العظيمة وليعلموا أن الله سيسألهم عن هذه الأمانة العظيمة فليعدوا للسؤال جواباً.

المنبر الفاعل

ويؤكد الشيخ عبدالله بن محمد اللحيدان (إمام وخطيب جامع العريفي بمحافظة الخبر بالمنطقة الشرقية): إن لمنبر الجمعة دوراً كبيراً في توجيه فكر وسلوك المجتمع ولست بمسهب في أمر يعلمه الجميع ولكن من خلال قراءتي الخاصة في دور المنبر خلال الفترة الماضية والمعاصرة للأحداث والفتن، فإنني أرى أهمية الموضوع ووجوب تفعيل دور المنبر الذاتي والذي ينبغي على خطيب الجمعة الالتزام وهناك دور خارجي أي من أطراف تتعامل مع الخطيب ولعل أهم عامل هو العامل الرسمي للجهات المشرفة على المنبر وذلك بتهيئة الخطباء لتولي وتنفيذ ما ينتظر من مسؤوليات من خلال إقامة الدورات العلمية للخطباء والاجتماع بهم جميعاً وجعلهم في صورة الحدث وإطلاعهم على ما هو مطلوب منهم ضمن خطة عملية علمية، تُرسم لهم وتهيأ مفرداتها تحت تصرفهم ليسلكوا طريق البيان وقد استعدوا بعدةٍ نافذة ومحققة للهدف، وأما دور الخطيب في ذلك فأختصره بما يلي:

جعل المنبر منبر هداية ورُشد وتوجيه لما يجمع الكلمة ويوحد الصف مما ينفع الناس، وتبين منهج الوسط والدفع عنه وأن فئة الضلال ليست من نتاجه ولا من إفرازاته، والجرأة في تسمية الأمور بمسمياتها دون مواربة، وتعرية من وراء هذه الفكرة وكشف بعض مما ينشر من مخططاته وأهدافه في تقويض وحدة الوطن واستهداف قيادته وأمنه واستقراره، وتصحيح القراءات والتحليلات التي تذاع هنا وهناك للأحداث ومتابعتها بالحجة الواضحة والبينة القادحة، وبيان الحق للشباب وإنارة الطريق لهم وتوعيتهم وتبصيرهم في الشبهات والفتن على ضوء الكتاب والسنة، وترشيح مصادر التلقي عند الشباب (تلفاز، نت، صحف..) من أجل تنقيتها مما يتعارض مع شرع الله ليبقى ما ينفع الناس ويذهب الزبد، جفاء، والابتعاد عن الاستفزاز في الطرح والتعسف في الاستقراء والجموح في التحليلات، مما يشوش على المتلقي ويبني بينه وبين الفهم الصحيح سوراً من العناد والصدود، وتشخيص أسباب الفتنة تشخيصاً نزيهاً حذراً في عرض الشبهات والأهواء مقدماً الإجابات عنها بكل أمانة واقتدار، والحرص على التزام منهج العلماء بأن يعالج الفكر المنحرف بصحيح الفكر وبالحجة والبرهان والجدال بالتي هي أحسن، وعدم إهمال إذكاء العاطفة مع الطرح الموضوعي لإيصال الفكرة، والابتعاد عن حشد الأفكار دفعة واحدة والإسهاب فيها في خطبة واحدة بل يعمد إلى توزيع طرح الأفكار على عدة جمع، في كل جمعة يطرح فكرة واحدة ويناقشها مناقشة علمية دون إطالة، وعدم تكرار طرح نفس الفكرة وبأسلوب العرض نفسه، والابتعاد عن التشخيص الفردي للمسائل والاستعانة بكلام من سبق ومن عاصر من العلماء الربانيين في تدعيم أفكار الخطبة وتوجهها، وعدم الخروج على العامة بموضوعات لا يفقهونها أو لا تهمهم تحت عنوان التحذير فيقع في المحذور ولا يفيد، إضافة إلى المصداقية في ضرب الأمثال والتحذير من الوقائع دون التوقعات المبهمة، والقرب من الشباب وهمومهم مما يساعد في بناء جسور الثقة والتفاهم معهم ليتحقق التأثير ساعة الحاجة إليه، وتقبل ما يرد من الشباب برحابة صدر والحلم على ما يأتي من قبلهم من أفكار أو مناقشات أو آراء والسعي معهم للبحث عن الحق والأخذ بيدهم برفق إلى حوضه ولا يستبعد من ذلك أحد ولو كان في فكره غلو أو جفاء، وإتاحة الفرصة لكل من يريد المساهمة بفكرة أو نقاش وإفساح المجال بالحوار لكل من يريد فرادى وجماعات وإبراز هذا المنهج واتخاذ الوسائل المختلفة لتحقيقه، والتبسط قدر الاستطاعة في استخدام الأساليب وتنويع الوسائل في إيصال الفكرة، والتواصل مع ولاة الأمر والعلماء وطلبة العلم ورجال الأمن والفكر والتشاور للإفادة من كل منهم بحسبه في تحقيق ما نصبو إليه من أمن وأمان.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد