يتكامل دور الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم مع مؤسسات التربية والتعليم في تحصين الناشئة والشباب من آفة الغلو والتكفير التي ضربت بأطنابها ليس في المملكة العربية السعودية وحدها ولكن في العديد من الدول العربية والإسلامية مستفيدة من وسائل التقنية الحديثة التي أزالت الحدود والرقابة ومكنت دعاة التخريب من إيصال شبهاتهم وضلالاتهم للمستهدفين وهم فئة المراهقين وصغار السن ممن لا يمحصون الحق من الباطل والغث من السمين ويندفعون دون تأمل أو برهان خلف كل ناعق ووراء كل صيحة. وعلى الرغم من ضآلة ذلك العدد ومحدودية المتأثرين بتلك الموجات الهدامة إلا أن التأثير وإن كان لعدد قليل يظل مصدر قلق لكونهم من أبناء هذا البلد المبارك. وواجب المؤسسات التعليمية والتوجيهية القيام بدورها لمحاربة مواقع الإنترنت وقنوات الإفساد الفكري الفضائية وعدم تمكينها من تحقيق أي نسبة من أهدافها التخريبية التي تتناقض مع آيات القرآن الكريم، قال الله تعالى {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً}، وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم منها قوله صلى الله عليه وسلم (من قتل نفساً معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً).
لذلك ومن ضمن الجهود التي قامت بها الدولة - وفقها الله- دعم ومساندة نشر حلقات تحفيظ القرآن الكريم في المساجد والدور النسائية، إيماناً منها بأن كتاب الله الكريم هو الحصن الحصين والملجأ المكين الذي لا يمكن اختراقه، ذلك الكتاب العزيز الذي يبعث في القلب طمأنينة وفي الفكر تأملاً وتدبراً وفي السلوك وسطية واعتدالاً {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}، وهي العناصر التي يحتاجها الشباب لتكون عوناً لهم في دينهم ودنياهم ومن خلال ذلك يتمكن الشاب من تمحيص الحق من الباطل ويدرك أن كثيراً من الأصوات التي تنادي من مكان بعيد هدفها هدم المجتمع الإسلامي وتهاوي أركانه واستباحة مكتسباته وإشاعة الفرقة والخوف بين الناس.
وتقوم الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بدورها خير قيام، معتمدة بعد توفيق الله عز وجل على تلك الثقة الرسمية والدعم والمساندة المادية والمعنوية وثقة وتبرعات المواطنين، فكان نتاج عملها تخريج آلاف من حفاظ القرآن الكريم الذين يتميزون عن أقرانهم بالإنتاجية والتفاؤل والنظرة الإيجابية لما حولهم وحب العطاء وتنمية الروح والعقل وبناء مستقبلهم على أكمل وجه، فكانوا متفوقين في تعليمهم قدوة في أخلاقهم يدركون الحق بعلاماته ويعرفون الباطل بشبهاته فانتفع بهم مجتمعهم، فمنهم الطبيب والمهندس والطيار والمعلم، ولم يقتصر عطاؤهم على جانب العلم الشرعي بل تعدى ذلك إلى كل مناحي الحياة.
بذلك أثبتت جمعيات القرآن الكريم أنها جزء من النسيج المؤسساتي للمجتمع وأنها كلها خير في أهدافها ومنهجها الموحد. ولذلك نجد استمرار الإشادة من ولاة الأمر -وفقهم الله- للجمعيات وحضور احتفالاتها وتكريم أبنائها. وكل ذلك مدعاة فخر واعتزاز لجميع منسوبي جمعيات القرآن الكريم في المملكة. ونرجو من الله تعالى أن تتوسع أنشطة الجمعيات وتزداد أعداد الملتحقين بها حتى تشمل كل أبناء وبنات هذا الوطن الكريم المعطاء الذي نبتهل جميعاً إلى الله القادر أن يحفظه ويفيض عليه الخير ويجعله دائماً في خير وإلى خير فهو مهبط الوحي ومهوى الأفئدة.
*رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بجدة