استطلاع محمد بن إبراهيم السبر
تعرف المناقشة بين طرفين أو أطراف أو كما يُقصد بها تصحيح الكلام وإظهار الحجة وإثبات الحق ودفع الشبهة ورد الفاسد من القول والرأي بالحوار.
ولأي حوار غاية يهدف لها تتمثل في إقامة الحجة ودفع الشبهة والفاسد من القول والرأي، فهو تعاون من المتناظرين على معرفة الحقيقة والتوصل إليها، ليكشف كل طرف ما خفي على صاحبه منها للوصول إلى الحق.
ولأهمية هذه المعاني وضرورتها في عمل المحتسب أخذت صفحة الرسالة على عاتقها استطلاع آراء العلماء والدعاة والمختصين في بيان أهمية الحوار بالنسبة للمحتسب وأثره في نجاح رسالته وماذا يحتاجه في ذلك وما دور الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تنمية هذه الثقافة لدى منسوبيها.
لغة الحوار
بدايةً أوضح فضيلة الدكتور علي الدومري أن المحتسب وهو الشخص الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يتعامل مع بني جنسه من الناس الذين اختلفت مشاربهم وتنوعت ثقافتهم وأخلاقياتهم وسلوكياتهم وهذا التعامل يلزم المحتسب مراعاة الحوار عن طريق معرفة طريقة التعامل مع هذه الفئات المختلفة ولغة الحوار المناسبة التي يستخدمها مع مختلف الأشخاص الذين يأمرهم بالمعروف أو ينهاهم عن المنكر وقد بينها القرآن الكريم أوضح بيان في مثل قول الله تبارك وتعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}، وقوله تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}. فإنك ترى الآيات ترشد إلى لغة حوار راقية إلى درجة الحسنة والحكمة والموعظة ليست موعظة الغلظة والفظاظة والشدة لا بل هي الموعظة الحسنة، هذا من جانب ومن جانب آخر على المحتسب أن تكون لديه خلفية كافية عما عليه المخاطب ومن أين يبدأ معه بالخطاب وكيف يدخل مدخلاً حسناً وذلك كقول النبي صلى الله عليه وسلم لحصين والد الصحابي الجليل عمران بن حصين، وقد كان والده مشركاً ولم يستجب لدعوة ابنه للإسلام حتى أحضره يوماً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا حصين كم إلهاً تعبد؟ فقال سبعة، ستة في الأرض وواحد في السماء. فلم يزل يحاوره.. إذا أصابك الضر من تدعو؟ فقال الذي في السماء.. إذا انقطع القطر من تدعو؟ فقال الذي في السماء.. وهكذا من تدعو لرغبك ورهبك؟ قال الذي في السماء حتى وقر الإيمان والتوحيد في قلب الرجل وشهد شهادة الحق أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا حق للأصنام الستة الذين اتخذهم آلهة له في الأرض.
وحث الدكتور الدومري المحتسب أن يسلك في الحوار لغة واضحة ويبين حقائق ثابتة تتنزل على قلب المخاطب كالثلج مع الدعاء والتضرع إلى الله بأن يهدي قلبه ويثبت لسانه، {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.
أدوات المحتسب
وعما يحتاجه المحتسب في لغته وحواره ليحقق رسالته بيَّن الشيخ أ. د. عبدالله الطيار أن الناس جبلوا على حب الإحسان، ومحبة من يحسن إليهم، وعلى ذلك فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر من أفضل المحسنين لأنه يأخذ بأيدي إخوانه إلى مرضاة الله، ويصرفهم عن سخطه وعقابه، ولكن على المحتسب الذي يريد وجه الله والدار الآخرة أن يتسلح بأدوات تعينه في عمله، وأولى هذه الأدوات هو الإخلاص لله تعالى في أمره ونهيه، لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء}.
وأضاف فضيلته ومن الأدوات أيضاً: طلب التفقه في دين الله، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ومن يرد الله به خيراً يفقه في الدين) متفق عليه، فلا بد للمحتسب أن يعرف المعروف ويأمر به، ويعرف المنكر وينهى عنه، فلا بد أن يكون بصيراً فقيهاً في أمره ونهيه، فالعلم هو سبيل النجاة للمحتسب ومن يأمرهم وينهاهم.ومن الأدوات أيضاً الرفق والحلم لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله) متفق عليه. فإذا كان المحتسب رفيقاً استطاع بابتسامته وبكلماته أن يأخذ بأيدي من يدعوهم إلى الخير وينهاهم عن الشر إلى صراط الله المستقيم، وأن يجعل قلوبهم مائلة إليه، راضية بنصائحه وتوجيهاته، وكم تعلمنا من قدوتنا في هذا الباب العظيم من دروس وفوائد، فالمحتسب الذي يرفق بعباد الله يجد العون من الله، لأنه يريد الهداية لهم، وإبعادهم عن كل ما يسخط الله عنهم.
ومن الأدوات أيضاً الصبر لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} فالصبر نصف الإيمان، وهو من أقوى أدوات المحتسب حيث يلاقي عنت المتكبرين عن الحق، وجدال المجادلين بالباطل، وأذى المعتدين والظالمين، وقد ضرب الله تعالى لنا أمثالاً كثيرةً في القرآن وخاصة قصة مؤمن آل فرعون حين وقف صابراً محتسباً أمام جبروت فرعون وجنوده يناصحهم ويتودد إليهم ليأخذ بأيديهم إلى طريق النجاة وقد ذكر أهل العلم أن على من يريد أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أن يكون فيه ثلاث خصال، وهي: الأولى: أن يعرف ما يأمر به وينهى عنه. والثانية أن يكون رفيقاً فيما يأمر به وينهى عنه. والثالثة: أن يكون صابراً على ما جاء من الأذى، وكل محتسب يحتاج لفهم هذا والعمل به، فإن الخلل إنما يدخل على المحتسب من قلة العلم، أو ضعف الفهم والفقه.
مقومات الحوار
للنجاح عوامل ومقومات ولعل أهم عوامل نجاح الحوار هو الرفق.. الشيخ الدكتور سعد بن عبدالله البريك الداعية الإسلامي المعروف يتحدث عن الرفق والحلم فيقول: المحتسب ليس فظاً ولا غليظاً بل غايته نصح الناس لترك المنكر، لذا وجب عليه أن يأخذهم بالرفق والحلم، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه) وقال تعالى واصفاً رسوله صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} وقال تعالى آمراً موسى وهارون لمَّا بعثهما إلى الطاغية فرعون {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} فإذا كان الله تعالى قد أمر باللين مع فرعون فغيره أولى وأحرى.
وأضاف البريك: وهكذا فالمحتسب يأمر وينهى بالرفق والموعظة الحسنة كأن يقول: يا قوم اتقوا الله، يا إخواني اتقوا الله، صلوا وأدوا الزكاة، اتركوا هذا المنكر، افعلوا كذا، دعوا ما حرم الله، بروا والديكم، صلوا أرحامكم، إلى غير هذا، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر برفق، ويعظهم ويذكرهم، ويعاملهم بالأسلوب الحسن قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب الرفق في الأمر كله) وجاء جماعة من اليهود، فدخلوا عليه فقالوا: (السام عليك يا محمد، يعنون الموت وليس مرادهم السلام. فسمعتهم عائشة رضي الله عنها، فقالت: عليكم السام والعلنة. وفي لفظ آخر: ولعنكم الله، وغضب عليكم، فقال صلى الله عليه وسلم: (مهلاً يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله). قالت ألم تسمع ما قالوا؟ قال: (ألم تسمعي ما قلت لهم؟ قلت لهم وعليكم فإنه يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا) رواه البخاري ومسلم وابن حبان. هذا وهم يهود رَفِقَ بهم، لعلهم يهتدون، ولعلهم ينقادون للحق، ولعلهم يستجيبون لداعي الإيمان، فكيف بالمسلمين؟!!.
وأكد الدكتور البريك أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الموفق، يتحرى الرفق والعبارات المناسبة، والألفاظ الطيبة عندما يمر على من قصر في ذلك، في المجلس أو في الطريق أو في أي مكان يدعوهم بالرفق والكلام الطيب، حتى ولو جادلوه في شيء خفي عليهم، أو كابروا فيه يجادلهم بالتي هي أحسن، كما قال سبحانه: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وقال سبحانه: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.
وقال فما دام المقام مقام تعليم ودعوة وإيضاح للحق، فإنه يكون بالتي هي أحسن لأن هذا أقرب إلى الخير، قال سفيان الثوري رحمه الله: ينبغي للآمر والناهي أن يكون رفيقاً فيما يأمر به، رفيقاً فيما ينهى عنه، عدلاً فيما يأمر به، عدلاً فيما ينهى عنه، عالماً بما يأمر به، عالماً به ينهى عنه وهذا معنى كلام السلف، رحمهم الله، تحري الرفق مع العلم والحلم والبصيرة، لا يأمر ولا ينهى إلا عن علم، لا عن جهل، ويكون مع ذلك رفيقاً عاملاً بما يدعوه إليه تاركاً ما ينهى عنه، حتى يقتدي به.
دور الهيئة
ويظل للرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دور بارز في تنمية وتقوية ثقافة الحوار لدى منسوبيها وفي هذا الجانب تحدث الشيخ بسام بن سليمان اليوسف مساعد مدير مركز البحوث والدراسات بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتحدث بقوله: ويكمن دور الهيئة في تنمية ثقافة الحوار لدى منسوبيها عبر القنوات الكثيرة التي تعدها في تثقيف وتطوير مهارات العاملين في الميدان، فمن خلال الدورة التوجيهية، والدورة التأهيلية، ودورات التطوير، وفنون التعامل، فيمكن أن تُطرح أهمية الحوار وتأصيله تأصيلاً علمياً، والمحمود منه والمذموم، ويمكن أيضاً طرح هذه الثقافة عبر اللقاءات الدورية التي تقيمها الهيئة لمديري الفروع والإدارات في الرئاسة، وعن طريق الندوات والمؤتمرات، ورسالة الحسبة، وصفحة الرسالة، وإنشاء ورش عمل للحوار الهادف والبناء، وغيرها من القنوات الكثيرة التي تملكها الرئاسة.
وخلص الشيخ اليوسف إلى أن رسالة الهيئة في بيان ثقافة الحوار بين منسوبيها تتضح من خلال المحاور التالية: ضرورة إحسان المقصد في الحوار، وإخلاص النية لله تعالى، وسلوك الطرق العلمية والتزامها، والصراحة والحرية في طرح الآراء، وتحديد دائرة القضايا والموضوعات المطروحة، بحيث تكون في تخصص الحسبة والأمر والنهي والسياسة الشرعية، والالتزام بالثوابت والقطعيات الشرعية وعدم التنازل عنها، والالتزام بأدب الحوار والحرص على التميز في الخطاب والقوة في الأداء والجزالة في الطرح، وجودة الإلقاء، وحسن العرض، وسلاسة العبارة. والإقرار بمبدأ الأخذ بالرخص والتيسير بضوابطه الشرعية، فيما يحقق المصلحة العامة ويدفع المفاسد الكبرى، وتغليب المصلحة العامة. ثم الرضا والقبول بالنتائج التي يتوصل إليها المتحاورون، والالتزام الجاد بها، وبما يترتب عليها، يقول الشافعي رحمه الله: ما ناظرت أحداً فقبل مني الحجة إلا عظم في عيني، ولا ردها إلا سقط في عيني.
واختتم الشيخ اليوسف بأن الحوار الناجح هو الذي يدعو إلى تقدير وجهات النظر والإقرار بحق الاختلاف بالاجتهادات المذكورة.
* إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر