د. حسن الشقطي(*)
أغلق سوق الأسهم هذا الأسبوع على هبوط خاسراً حوالي 403 نقاط. وقد سيطر المسار الهابط هذا الأسبوع على إغلاق كافة أيام الأسبوع باستثناء الثلاثاء الذي أغلق فيه على صعود طفيف. وقد فشلت كافة محاولات رفع المؤشر نتيجة للضعف العام على حركة التداول؛ فسادت موجة هبوط عام ربما لم تستثنِ أحداً، لدرجة أن 97 سهماً خرجت خاسرة هذا الأسبوع.. وانحدرت قيمة السيولة المتداولة بشكل حاد لتستقر ما بين ال4 و7 مليارات ريال، وهو مستوى متدنٍ لوضعية الاستقرار المُرضي من قِبل المتداولين.. وهو ما أثار التساؤل: هل هو جني أرباح أم أن المسار الصاعد الأخير قد انتهى؟ الأمر الذي يوصلنا إلى تساؤل أكثر حيرة، وهو هل بإمكان المؤشر إنجاز دورة صعود ثانية في ظل ترقب تطبيق الهيكل الجديد للسوق؟ أو على الأقل الحفاظ على مستواه الحالي من التدحرج إلى مستويات أدنى؟ وهل فعلاً هذا الهيكل يثير مخاوف المتداولين وأنه السبب الرئيسي وراء هبوط الأسابيع الثلاثة الأخيرة؟ وأخيراً، وما هو أهم.. كلنا نعلم أن الهيكل الجديد وتحييد أسهم الدولة يسيران في طريق صناعة سوق أكثر تحرراً، فمن سيصنع السوق عندها؟
هبوط متدرج يخسر المؤشر 403 نقاط:
افتتح المؤشر حركة التداول هذا الأسبوع على هبوط قوي تسبب في خسارته لحوالي 196 نقطة يوم السبت عندما أغلق عند 9696 نقطة. تلاه هبوط ثانٍ يوم الأحد خسر خلاله حوالي 38 نقطة، ثم هبوط آخر قوي يوم الاثنين خسر خلاله 203 نقاط.. وارتد يوم الثلاثاء ليربح 86 نقطة، ثم عاود الهبوط يوم الأربعاء ليخسر 52 نقطة، ليغلق المؤشر عند 9488.9 نقطة خاسراً حوالي 403 نقاط أو ما يعادل 4.1%.
تراجع قوي للسيولة المتداولة:
تراجع السيولة المتداولة لا يعتبر أمراً خاصاً بهذا الأسبوع، وإنما هو مسار تراجعي ابتدأه المؤشر منذ بداية مارس الحالي، عندما بدأت السيولة تنحدر عن مستوى الـ10 مليارات، ورغم أنها استمرت عند مستوى ما بين 6 إلى 10 مليارات ريال حتى الأسبوع الماضي، إلا إنها دخلت في نطاق جديد من التدهور لتتراوح ما بين 5 و7 مليارات ريال هذا الأسبوع.. وهو مستوى غير مطمئن، وباعث على إثارة الخوف لدى المتداولين من استمرار هذا التراجع أو ربما الخوف من زيادته.. ولكن لماذا هذا التراجع؟
تراكم المثبطات وانعدام المحفزات:
لسوء الحظ أن السوق يمر هذه الأيام بمرحلة انعدام وزن نتيجة تراكم العديد من المثبطات أو المخاوف، فمن ناحية أساسية هو مقبل على هيكل جديد لا أحد يعلم كيف سيسير المؤشر بعد تطبيقه،ولا أحد يعلم كيف سيكون حال التداول بعده.. ومن جانب ثانٍ الاكتتابات الجديدة المرتقبة، ولاسيما اكتتاب الإنماء.. ومهما قلنا من ضخامة حجم السيولة المتداولة وكفايتها لأي اكتتاب قادم - بإذن الله - إلا أن أي اكتتاب جديد يثير بعض القلق أو الخوف من قِبل شرائح واسعة من المتداولين، وخاصة من صغار المستثمرين.. إما لأنهم هم أنفسهم يحتاجون إلى تصفية جزء أو كل محفظتهم للتمكن من الاكتتاب بالحد الأقصى المسموح، أو لأنهم يرون السوق بأعين الآخرين. ومن جانب ثالث فإننا نقترب من الإغلاق الشهري، الذي كان سلبياً على مدى الشهرين الماضيين، وخاصة في ظل حالة التخوُّف التي يثيرها تقرير السعوديين والخليجيين والمقيمين. أما العنصر الأكثر قلقاً للمتداولين فهو اقتراب موعد أحقية سابك، تلك الأحقية التي تفسر تماسك سعر السهم نسبياً حتى الآن.. وهنا تدور التساؤلات حول كيف يمكن أن يكون تراجع المؤشر بالفعل إذا انكسر سعر سابك بعد انتهاء أحقيتها في نهاية هذا الشهر؟ كما أن الجميع في ترقب لنتائج أعمال الربع الأول من 2008.
ومن جانب آخر، فإن السوق إذا لبّدت غيومه الاكتتابات والهيكل الجديد فلا يوجد محفز قوي أو باعث على التفاؤل خلال هذه الفترة، خاصة في ظل اضطراب حركة القياديات. وهنا تساؤل يطرح نفسه: لماذا بدأت شرائح واسعة من المتداولين تصف القياديات بالاضطراب؟
القياديات ما بين
الاضطراب المالي والسوقي؟
من الأمور اللافتة للنظر هو اضطراب الأسعار السوقية لغالبية الأسهم القيادية.. تلك الأسهم التي كانت توصف بالرتابة أو الركود سابقاً.. الآن هي من أول الرابحين عند الصعود، وأيضاً أول الخاسرين عند الهبوط.. وهنا مكمن قلق المستثمرين لأنهم يتساءلون لماذا هذه الخفة؟ ومن أين جاءت؟ ألسنا نتحدث عن أسهم استثمارية ثقيلة؟ إن الأمر لا يوجد له تفسير سوى الأوضاع المالية المضطربة التي لحقت ببعض هذه القياديات، والتي من أبرزها البنوك التي فقدت كثيراً من حصص ربحيتها نتيجة عوامل ومستجدات بالسوق المحلي.. وأيضاً نتيجة عدم التفاؤل من مستقبلها القادم الذي كان سبباً فيما لحق بقياديات البنوك، كما أن التفاؤل المفرط كان سبباً في اضطراب قياديات الصناعة، وخاصة البتروكمياويات، التي بدأت تشبه حركة التداول عليها حركات تداول أخف الأسهم المضاربية في السوق، فأي لمحة صعود بات أول من يستجيب لها هي أسهم البتروكمياويات، رغم أنها أسهم ثقيلة، واستثمارية، وليست مضاربية.
الأسبوع الأكثر خوفاً للسوق:
بعد أحقية سابك يتوقع أن تسود السوق حالة ترقب نتيجة توقع صدمة كيفية استجابة السوق والمتداولين للهيكل الجديد.. أي أن الفترة التي تفصل بين أحقية سابك وتطبيق الهيكل الجديد تثير الخوف أن يحدث بها تراجع، وخاصة في ظل استعداد المستثمرين لتجهيز سيولة للاكتتاب في الإنماء.
ارتفاع النفط وطفرة المؤشر
خلال الأشهر ال6 الأخيرة:
من أبرز المتغيرات الاقتصادية العالمية التي طرأت خلال الأشهر ال6 الأخيرة، هما الارتفاع الحاد في أسعار النفط الذي فاق نسبة ال40% تقريباً، والانخفاض في سعر الفائدة الأمريكي الفيدرالي الذي حدث أربع مرات تقريباً خلال هذه الفترة. ولنا أن نلاحظ أن طفرة شركات القطاع البتروكيماوي حدثت خلال هذه الفترة، أي أن ثمة رابطاً قوياً بين ارتفاع أسعار النفط وبدء تحرك كيان وينساب وأخواتها. فارتفاع أسعار النفط يعتبر حافزاً قوياً لتطوير الصناعة النفطية، والحث على زيادة معدل التكرير؛ لذلك، وبشكل أو بآخر، فإن السوق منقاد وراء ارتفاع أسعار النفط، ومن ثم فإن استمرار الطفرة السعرية لهذا القطاع البتروكيماوي بالسوق هو رهن استمرار بقاء أسعار النفط فوق مستوى ال90 دولاراً.
ماذا بعد تحييد أسهم الدولة؟
تحييد أسهم الدولة رغم أنه يعدُّ أمراً مطلوباً وإيجابياً لتحسين بيئة السوق، وكان ينبغي تنفيذه منذ زمن مضى، إلا أنه في الوقت ذاته يعتبر بمثابة فقدان للجزء الأسمنتي داخل عدد كبير من الأسهم التي تمتلك الدولة حصصاً فيها، ولما كان عدد من هذه الأسهم هي أسهم قيادية تمتلك القوة الكافية لتحريك المؤشر والسوق ككل فإن فقدان هذا الجزء الأسمنتي يُغيّب بعضاً من القدرة على صناعة السوق. وقد رأينا خلال الشهور الأخيرة كيف أن الأسهم الثقيلة قد خف وزنها؟ وكيف بدت حركتها نشطة؟ إنَّ هذا النشاط يمكن أن نربطه بالإعلان عن تحييد أسهم الدولة فيها، وإذا كان هذا هو الحال قبل التطبيق الفعلي لتحييد أسهم الدولة فكيف يتوقع أن يكون حالها بعد هذا التطبيق؟ بالطبع إن الأسهم القيادية ستكون عرضة أكبر للنشاط المضاربي.. وبالتالي فإن السوق يتوقع أن يشهد فترة اضطراب حتى يعتاد المتداولون على حركة الأسهم بدون وجود حصص جامدة.
السوق الحر.. والصانع؟
إنَّ أياً منا ليحتار فيما يرغب.. هل يرغب في سوق حر بلا صانع أم أن السوق الحر ينبغي أن يحرص على وجود صانع؟.. فكلما زادت درجة تحرر السوق وغابت عنه القيود.. زادت قوى العرض والطلب في تحديد مستويات أسعار الأسهم فيه.. إلا أنه مع ذلك، فإن تلك القوى التي تسير عشوائيا ستخلق سوقاً يسير عشوائياً ربما إلى أقصى قمة، وربما إلى أقصى قاع.. حسب القوى الأعلى تأثيراً في المؤشر سواء البيعية أم الشرائية.. إلا أننا نعلم أن هذه القوى أحياناً تسير في مسارات غير رشيدة بناء على توجهات المحافظ الكبيرة أو حسب المجموعات أو حسب تحركات القطيع.. وفي كل من هذه التوجهات غير الرشيدة لا يستفيد السوق كما لا يستفيد المستثمرون فيه؛ لذلك فإن أي سوق في حاجة ماسة إلى وجود المرشد أو الصانع الذي يعمل على إعادة تصويب التوجهات غير الرشيدة؛ لذلك فإن وجود الصانع إذا كان ترفاً في الماضي القريب فإنه قد يصبح ضرورة في المستقبل القريب، وخاصة في ظل الاحترافية المخيفة لبعض المحافظ الاستثمارية في السوق.
الربط الخاطئ بين الاستثمار
في السوق ومتابعة شاشة التداول:
رغم كل ما ذكر أعلاه من مثبطات ومخاوف، وحتى إن حدث تراجع - ولو حاداً في المؤشر - فإن ذلك لا يعني خسارة منتهية، بل يعني في كثير من الحالات خسارة مؤقتة في الأسعار السوقية.. ولكن ذلك يرتبط بهوية أسهم المحفظة وأيضاً يرتبط بتاريخ شرائها.. فإن الفرد قد اشترى في عز الصعود الأخير أو لا يزال يمتلك أسهماً من عهد 2006 (سواء أكانت استثمارية أو مضاربية) فإنه عرضة لتضاعف حجم خسائره، أما إذا كان ممن اشترى عند مستويات 7000 نقطة، وتتضمن محفظته أسهماً استثمارية، فلا غبار عليه، وخسائره ستكون مؤقتة، وننصحه بالبُعد عن الشاشة إن حدث هبوط خلال الأسبوعين المقبلين. إن فلسفة الاستثمار في السوق منتقصة لدى البعض؛ حيث إنه يضع لنفسه خيارين لا ثالث لهما.. إما أن يربح خلال هذا اليوم أو هذا الأسبوع أو أن يبيع ويصفي المحفظة. إن الخيار الثالث والأهم هو التحول لمستثمر لا يزال غائباً.. طالما أن المستثمر قد انتقى أسهم محفظته بعناية فيمكنه مغادرة الشاشة عند الهبوط؛ لأن الاستثمار في سوق الأسهم لا يعني متابعة يومية للشاشة.. ولنا أن نتساءل: كم مساراً هابطاً أحرزه المؤشر خلال العامين الأخيرين؟ وماذا بعدها؟ بالطبع العديد من المسارات الصاعدة. إننا ينبغي أن نعي أن كل هبوط يعطي السوق مزيداً من القوة وليس العكس، فهبوط الأسبوعين الماضيين أدى إلى تحسن كبير في مكرر ربحية السوق الذي وصل الآن إلى 19.9 مكرر تقريباً.
(*) محلل اقتصادي
Hassan14369@hotmail.com