لم يتعرض حزب العدالة والتنمية التركي منذ تأسيسه عام 2002م لتحدي مصيري كما يعيش هذه الأيام فقد فجَّر فيه النائب العام قنبلته الدستورية بتقديم مذكرة ادعاء قضائية بمخالفات دستورية ضمَّنها 162 صفحة كاملة طالباً من خلال ادعائه بإلغاء الترخيص الرسمي للحزب وتقديم 71 قيادياً من مؤسسيه للمحاكمة، التي تؤدي إلى العزل السياسي لمدة أقصاها خمسة أعوام وقد تعرض حزبا السلامة الوطنية والرفاه لهذا المصير وحُرِمَ زعيمهما السابق أربكان للحرمان السياسي طول العمر!
استطاع التأثير الشعبي إيصال أردوغان وحزبه للمحكمة مرة ثانية من الانتخابات التي حاز فيها على أكثرية مقاعد البرلمان العام الماضي حيث فاز بثلاثمائة وخمسة وأربعين مقعداً من أصل خمسمائة وخمسين مقعداً حفزته لإجراء العديد من التعديلات الدستورية، التي تتماشى مع الحرية العامة المنظومة في وثيقة حقوق الإنسان ومن أكثرها جدلاً قانون (حق ارتداء الحجاب لطالبات الجامعة)؛ وقد حظي هذا القانون بتأييد حزب الحركة الوطنية، الذي يملك أكثر من سبعين مقعداً نيابياً مما حقق الأغلبية العظمى و(376) صوتاً في البرلمان ومع تصديق رئيس الجمهورية على هذا القانوني يلاقي الرفض من قبل عمداء الجامعات التركية، التي استبدلت الحرس الأمني للجامعة بحراسة عسكرية لمنع الطالبات المحجبات من الدخول للجامعات!
ولم تهدأ المعارضة العلمانية بزعامة حزب الشعب الجمهوري بتحريض الشعب التركي للاحتجاج التظاهري على مخالفة حكومة أردوغان للأفكار الكمالية التي نص عليها الدستور وتغليب الإطار الأصولي عليها وقد تزعم تظاهرة كبيرة البروفسور دنيز بايكال زعيم المعارضة إثر سيطرة حزب العدالة والتنمية على الرئاسات الثلاث بفوز الرئيس عبدالله كول بمنصب رئيس الجمهورية مرشحاً عن حزب العدالة والتنمية الحاكم.
وقد شعرت القوى العلمانية من سياسية وإعلامية وقوى أخرى لم تظهر على الساحة السياسية ولكنها تؤثر فيها بصورة مباشرة كالمؤسسة العسكرية، التي أعلنت مراراً عدم رضاها لإجراءات حكومة أردوغان، التي تخشى من الابتعاد عن الأفكار الكمالية التي وضعها مؤسس الجهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك ومعارضة كل الحركات السياسية التي تتجه نحو نشر الإسلام السياسي في الحياة الاجتماعية التركية وتحولت المعركة الديمقراطية إلى صراع مباشر بين قوى المعارضة العلمانية وبين حكومة أردوغان ذات الإطار الإسلامي الليبرالي أثر سيطرة حزب العدالة والتنمية على البرلمان وبتأييد كامل من حزب الحركة الوطنية وباتفاقهما هذا يمكن تغيير كافة مواد الدستور التركي.
وجاءت الدعوى الدستورية التي أعلنها النائب العام عبدالرحمن يالجن ممثله لأول مرحلة في السيناريو المعد مقدماً لإنهاء نفوذ حزب العدالة والتنمية وبقاء التهديد مستمراً على أفكاره أو محاولاته لأي تغيير جديد في الحياة السياسية والاجتماعية في تركيا بعد نفاد كافة الوسائل الديمقراطية التي حددها الدستور وقانون المنظمات السياسية، الذي يخشى من هذه الدعوى الدستورية أن تأتي بالفوضى السياسية، التي تؤثر مباشرة على الحركة الاقتصادية المزدهرة، التي يعيشها الاقتصاد التركي وجاءت تباشيرها السلبية بانخفاض شديد في مؤشر الأوراق والسندات التجارية، الذي أدى إلى شلل ظاهر في التبادل التجاري الداخلي والخارجي وقد تكون هذه الحركة القضائية مقدمة لتدخل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية مرة أخرى، إذ تخول لها المادة 35 من الدستور في حالة تعرض الأفكار الكمالية والعلمانية لخطر التغيير وللمؤسسة العسكرية الحامية لهذه الأفكار من السيطرة على مقاليد الحكم وتغيير السلطة التنفيذية وتعطيل المجلس النيابي ومحاكمة كل المسببين لهذه المخالفات الدستورية كما حدث في الانقلابات العسكرية منذ 1960 حتى آخرها في 1986م.
المشهد السياسي التركي يشوبه القلق للمستقبل المجهول بعد القرار المنتظر للمحكمة الدستورية ومعظم أبناء الشعب التركي على اختلاف اتجاهاته السياسية لا يرحب بأي نوع من أنواع السيطرة العسكرية على الوضع السياسي لما فيه من تعطيل للحركة الديمقراطية وتجميد للنمو الاقتصادي وغياب حقوق الإنسان.
الأيام القليلة القادمة حبلى بالأحداث السياسية في أنقرة التي نتمنى أن تأتي باستمرار الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي لتركيا الشقيقة وبتحكيم المصحلة الوطنية العليا على الانتقام السياسي.
عضو هيئة الصحافيين السعودية - جمعية الاقتصاد السعودية