في تاريخ الأندلس كثير من العجائب من مآس ومباهج، قطفت منها زهوراً وبقيت أزهار كثيرة، ونفحها يملأ نفسي بهجة، وسلوكي عبرة، فمن الحكمة الاعتبار بالآثار، وتوسيع المدارك والاستبصار. |
وقد أرسل قلمي فيضه للكتابة عن مآسي الأندلس ومباهجها، وآمل أن أوفق في شأوي وأنال بغيتي، راجياً أن يكون الله في عوني. وأثناء القراءة في أمهات الكتب عن تاريخ الأندلس مثل: المقتبس والقلائد، والذخيرة، والنفح، والبغية، والمغرب، والجذوة، والقدح المعلى. وغيرها كثير، لا يمكنك الوقوف عند حد أو الارتواء من منهل، ولذا فباب الاستمتاع مفتوح. |
ومن خصائص الأندلس والأندلسيين ظهور شواعر يجاهرن بشيء من الشعر الذي تتجنبه شواعر المشرق ومن أولئك الشواعر الأندلسيات حفصة الركونية، وهي شاعرة أديبة مشهورة بالجمال والحسب والمال، من أشراف غرناطة، فصيحة الشعر، رقيقة النظم والنثر، وكانت بينها وبين أبي جعفر أحمد بن عبد الله بن سعيد العنبس محبة فائقة، فكانا يتجاوبان تجاوب الحمام، ولما استبد والده عبد الملك بأمر القلعة حين ثار أهل الأندلس على المرابطين في نهاية عصرهم، وثار الموحدون اتخذه أبوه وزيراً. وبعد تولي الموحدين انضم والده تحت لوائهم وسعى إلى أن يكون ابنه أبو جعفر كاتباً لأبي سعيد بن عبدالمؤمن ملك غرناطة، فأحب أبو سعيد بن عبدالمؤمن حفصة، وكان هذا الحب سبباً في هلاك حبيبها القديم أبو جعفر أحمد عبدالله بن سعيد العنبسي. وأراد أبو جعفر لقياها وكانت لديه روضة اسمها الكمامة فماطلت شهرين، ثم كتب لها: |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
ووجهت هذه الأبيات مع موصل أبياته، بعدما لعنته وسبته، ولما أطل الساعي على أبي جعفر قال له: ما وراءك يا عصام؟ قال: اقرأ الأبيات تعلم، فلما قرأ الأبيات قال لعاصم: ما أسخف عقلك وأجهلك، إنها وعدتني في روضة الكمامه سر بنا إليها، فما كان إلا قليلاً وإذا بها قد وصلت، وأراد عتابها وأنشد: |
دعي عد الذنوب إذا التقينا |
|
وجلسا على أحسن حال، وإذا برقعة من صديق له يقال له الكندي قال فيها: |
أبا جعفر يا ابن الكرام الأماجد |
خلوت بمن تهواه رغماً لحاسد |
|
كتوم عليهم باخفاء المراصد |
فقرأها حفص، فقالت: لعنه الله، قد سمعنا بالوارش على الطعام (الذي يدخل والناس على الطعام، والواغل على الشراب)، ولم نسمع اسماً لمن يعلم باجتماع محبين، فيروم الدخول عليهما، فقال لها: بالله سميه لنكتب له بذلك، فسمته الحائل، لأنه يحول بيني وبينك إن وقعت عيني عليه فكتب له في ظهر الرقعة: |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
فلما رجع إليه خادمه الذي أوصل الرقعة وفيها الرد، وجده قد وقع في بركة نجاسة فعاد الخادم إلى حفصة وأبي جعفر وأخبرهما الخبر، فكاد أن يغشى عليهما من الضحك. |
وكتبت مرة إلى أحد أصحابها شعراً فقالت: |
أزورك أم تزور فإن قلبي |
إلى ما تشتهي أبداً يميل |
فثغري مورد عذب زلال |
وفرع ذوائبي ظل ظليل |
فعجل بالجواب فما جميل |
إباؤك عن بثينة يا جميل |
ونختم بهذه الأبيات رحمهم الله جميعاً وعفا عنا وعنهم. |
|