يتهم القطاع الخاص بأنه يدير ظهره لتوظيف السعوديين، وأنه يختلق الأعذار الواهية لتسويغ مواقفه من هذا الواجب الوطني، وشرق البعض وغرب في تحليل الموقف وتفسيره، وكلها يشكك في ولاء القطاع الخاص ووطنيته، وأنه يغلب المصلحة الخاصة على العامة، وأن العيب كل العيب في مواقف قادة القطاع الخاص وتوجهاتهم، وأنهم غير راغبين ولا جادين في التعامل مع القضية، ومن أغرب التحليلات وأقلها توفيقا، أولئك الذين يستشهدون بقدرة القطاع الحكومي على التوظيف واستيعاب الخريجين، ليس هذا فحسب بل نظر إلى هذا (الاستيعاب) على أنه إيمان بقدرة الموظف (السعودي) على التعامل مع الوظيفة التي رشح لها، وأنه قادر على العمل والإنجاز بكفاءة عالية واقتدار تام، وكان الاستشهاد بقدرة وزارة التربية والتعليم، ووزارة الصحة، على توظيف آلاف الخريجين كل عام.
تأملوا قراءة هؤلاء المحللين لقدرة القطاع الحكومي على استيعاب الخريجين السعوديين، إنها قراءة عجيبة مبدعة، فقد نظروا إلى مواقف وزارة التربية والتعليم من توظف الآلاف وكذا وزارة الصحة، على أنها ثقة بكفاءة الخريجين، وإيمان بقدرتهم على العمل والإنجاز، مما يعني أن القطاع الحكومي قام بدوره وتعامل مع مسؤولياته، في حين أن القطاع الخاص تخاذل وتأخر في التعامل مع هذه المهمة، وأن العيب في مواقف قادة القطاع الخاص وليس في قدرة الخريجين على العمل ورغبتهم فيه.
لقد نسي هؤلاء أو تناسوا أن الإشكال ليس في القدرة أو الرغبة، أو عدمهما، الإشكال يكمن في أن مفاهيم العمل، وأدبياته والتزاماته، ومسؤولياته وآليات مراقبته، مرنة جدا في القطاع الحكومي، فضفاضة جدا، مسترخية إلى درجة الكسل والإهمال وعدم المبالاة، فالعمل الذي يجب أن ينجز اليوم، لا ضير ولا بأس من أن ينجز غدا، والعمل الذي يكفيه موظف واحد، لا ضير ولا بأس أن يكلف به اثنان، وساعات العمل اليومية الثمان، يكفي منها - في القطاع الحكومي - سويعات بل دقائق معدودة - هذا عدا وظيفة المعلم الذي أعده في مقدمة الموظفين الذين يستثمرون الوقت بأمانة وشرف - فالساعة الواحدة في القطاع الحكومي لا تعني ستين دقيقة، بل تعني ما يتيسر من الدقائق المعدودة التي يجود فيها الموظف بعطاء بخس، وبنفس ثقيلة، في حين أن الساعة الواحدة في القطاع الخاص تعني ستين دقيقة بالتمام والكمال، إذ ينظر إلى الدقيقة الواحدة بأنها ذات معنى وقيمة في الإنجاز، الوقت الكامل التام (مال) في القطاع الخاص، و(المال) في القطاع الحكومي آت بأي جهد ووقت كان، ولسان الحال يردد (لا تجهد نفسك فالذي لا ينهى اليوم ينهى غدا) و(أمر الله من سعة) و(في العجلة الندامة وفي التأني السلامة) وغيرها من مقولات التخاذل والتكاسل والإهمال، فبيئة هذه حال العمل فيها، حتما سوف تجذب ذوي النفوس الواهنة النافرة العازفة عن الجد والمثابرة، ولهذا ما لم ترق بيئة العمل في القطاع الحكومي إلى درجة المماثلة في جدية القطاع الخاص، فسيبقى القطاع الحكومي مستأثرا بالأولوية لدى العاملين، لأن العمل فيه أقل جهدا، وأكثر استرخاء وبعدا عن المراقبة والمحاسبة، وبعد هذا، على من تلقى اللائمة؟ هل تلقى على قادة العمل في القطاع الحكومي، أم على قادته في القطاع الخاص؟ الجواب لدى طالبي العمل، فسألوهم إن كنتم ترغبون بصدق في معرفة الأسباب الحقيقة، بدل الخرص والتأويل والظن، والتشكيك والطعن في توجهات القطاع الخاص، ونوايا العاملين فيه ورجالاته.
Ab.moa@hotmail.com