لا تخلو قصيدة لأي شاعر مشارك في مسابقة شاعر المليون إلا ونجد فيها زخماً هائلاً من الأبيات (المعسوفة) لتمجيد القبيلة. وهذا أمر لا بأس به، ولكن أن يقوم الشاعر بنذر قصيدته في وصف حدة سيوف قبيلته وكيف أنها -أي (القبيلة)- قد أعملت هذه السيوف قتلاً وتنكيلاً بالأعداء المجرمين المعتدين، فإن هذا يدعونا إلى التساؤل عن من هم أولئك الأعداء المجرمين المعتدين؟ لا سيما وأننا نعرف أن قبائل جزيرة العرب لم تتعرض لغزو جيوش الروم أو الفرس على الأقل في الخمسمائة سنة الماضية، كما أن تلك القبائل لم تتعرض لهجوم بالدبابات وطائرات أف 15 أو قنابل طائرات بـ52، وهي إن قاومت فإن السيف الأحدب اليماني والناقة العمانية ولا حتى النسب يمكن أن تجلب لها النصر والسؤدد وللعدو الخزي والذل.
إذاً نعود إلى تساؤلنا السابق، عن من هو ذلك العدو الآثم الذي هزمناه ورددنا كيده في نحره بكل ما لدينا من قوة وشدة بأس. الجواب: إنه ابن العم والجار الجنب، والسبب ناقة أو بعير أو قصيدة ذم أو (منقع) ماء. إن كان هذا هو الحال غير المبرر في وقت مضى بسبب الجهل والعزلة وضيق الأفق، فهل كان لزامناً علينا أن نسحب ذلك التاريخ المأساوي على الأجيال الحاضرة والمعاصرة، ونصور ذلك الماضي على أنه ماضٍ تليد بغزواته ونهبه وسلبه وقتله؟ وكل ذلك مقابل مليون درهم؟! هل سيتمكن جيلنا الحاضر من التفوق في الطب والفيزياء والاقتصاد وكل أساسيات هذا العصر ويسجل حضوره الفاعل نحو التقدم والرقي، هل سيتمكن من ذلك من على ظهر ناقة أو صهوة جواد وبسيفه الصقلاوي؟! بالتأكيد لا، وإلا فسيصبح الشعراء مجرد (حكواتية) في مقهى شاطئ الراحة.
يجب أن نفخر بالتخلص من ذلك الماضي البليد وأن نتباهى ونماهي بما وصلنا إليه حتى الآن من نهضة علمية وحضارية، وأن نركز قصيدنا في تحفيز أجيالنا الحاضرة على المضي قدماً في مجالات العلم والتحضر والإبداع، وبهذا يكسب الجميع ملايين من العلماء والمثقفين والمبدعين، فهذا هو مجال الفخر والاعتزاز الحقيقي.
عبدالله أبو ردون البراك