ذات مرة كتبت مقالة عاصفة عن الصديق الناقد الدكتور عبد الله الغذامي بعنوان (ماضوية الغذامي)، وقد ندمت على تلك المقالة (المتسرعة) أشد الندم، وكان المحفز لتلك المقالة هو (حنين) الغذامي إلى ثقافة الستينيات الميلادية من القرن المنصرم حيث رأى أنها أزهى عصور الثقافة العربية، أما مبعث غضبي فلأنني أنا وغيري كنا نتوسم بناقدنا الكبير أن لا ينظر للماضي كما هو دأبه، بل ينظر إلى المستقبل نظرة استشرافية مبشرة تنطلق من الحاضر المعاش، واليوم ها أنا أجد نفسي مضطرا ومن منطلق مبدئي وانحيازا إلى دوره الريادي النقدي (التقدمي) وتسامقه وتساميه في محفل النقد العربي الحديث، بل دفاعا عن قامته الشامخة بين النقاد العرب الذي أصبح من خلالها مفخرة للثقافة العربية ومنارة عالية في جزيرتنا العربية وطودا شامخا من أطواد بلاده العالية - المملكة - أقول إنني أجد نفسي مضطرا اليوم إلى الدفاع عن رمزنا الحضاري الكبير الذي يبدو أن عوامل الحسد والغيرة والاستعلاء وحكاية المركز والأطراف السخيفة أن تتطاول عليه وتحاول تهميشه وتقزيمه ومن قبل رمز آخر لا يقل ريادة عنه ألا وهو أدونيس - ما غيره - الذي يبدو أن الخرف والزهو قد أصبحا ينالا منه لدرجة محاولة إلغاء الآخر بل إلغاء تاريخ ثقافي عميق لم يصل إليه هو في كل (حرتقاته) النقدية التي كنا نتقبلها منه في الماضي دون أن نقف عند مضامينها الطائفية والشعوبية لأننا كنا (نخجل) أن ننتقد أدونيس وهو من هو؟ أما اليوم وهو يحاول لجم وتدجين (أعلى خيلنا) الأصيلة فإننا نقول له وبالفم المليان لا قف!! بل عليك أن تلزم حدك ولا سيما أنك من خلال نعتك الغذامي بأنه لا يعدو عن (كونه واعظا أو إماما لمسجد) وكأن الوعظ والإمامة هما أقل من أهمية الكاتب!! فما بالك بالناقد. وغمز أدونيس (المبطن) هذا لا يخص الغذامي وحده بل هو غمز في بيئته ووطنه ومجتمعه المسلم اعتاد عليه أدونيس ومن هم على شاكلته، الذين (سامحناهم) كثيرا على الرغم من إطلاق كل صفات الانتقاص علينا مثل البداوة، وثقافة النفط، والذين علمناهم الفرق بين ال(أ) الألف ووتد الخيمة التي يسكنون فيها.
***
ولعلي في هذا الصدد أشد على يد الصديق المبدع القاص جار الله الحميد الذي (كسر الرهبة) وقال لأ في وجه أدونيس ولا سيما أن الأمور قد وصلت للغذامي، فكيف بنا نحن تلامذته وتلامذة أدونيس قبلا وأعني بتلك (التلمذة) - استيعاب الحداثة من مفهومها الثقافي لا الأيديولوجي!!
فالأخ جار الله يقول في مقالة رائعة في جريدة الحياة: (إن وصف أدونيس للغذامي بأنه يصلح واعظا أو إماما لمسجد، هو وصف ساذج لأن الإمام والواعظ هما رجلان يفترض أنهما مكتملا الرؤية، فالإيمان والعمل هما من أقانيم العصر العربي المنشود إلى جانب مسوغات أخرى، ولا يصح أن تهزأ من أخيك فلا تجد من الهزء سوى تشبيه أدونيس ذاك بأن عبارتك فاسدة وغير مفيدة وجاهلة وصارخة بأنها خرجت من الحلق وتقلصاته دون إرادة).
***
يبقى القول أخيرا إننا ومن خلال عبارات جار الله الأخيرة ها أننا استطعنا أن (نبق البحصة) ولن نسكت على أحد بعد اليوم.