الذكرى الخامسة للغزو الأمريكي للعراق جاءت بمثابة كشف حساب اتسم في معظم أجزائه بالدموية والدموع وخيبات الأمل، ولم يظهر في ظل هذه الكومة من المآسي ما يشير إلى نوع من الأمل..
ومع ذلك كانت هناك وعود في حملة سباق الرئاسة الأمريكية نادى بعضها بالخروج من هذا المستنقع وباسرع ما يمكن فيما آثر بعضها البقاء فيما يوصف بالاصرار على تكرار الخطأ حسب تعبير مرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون حول موقف الجمهوري جورج مكين الذي يؤيد سياسة جورج بوش الحالية التي يتحدث بعض مسؤوليها عن امكانية الاستمرار لمئة عام أخرى..
وإذا كان ما نراه حالياً من دمار وخراب هو حصيلة خمسة أعوام فقط كادت فيها صورة العراق المعروفة أن تنطمس، فما بالنا بمئة عام أخرى..؟
وبصفة عامة فإن الديموقراطيين الذي يحتمل وصولهم إلى البيت الأبيض يفضلون انسحاباً مبكراً في فترة قد لا تتجاوز الستين يوماً الأولى حسب هيلاري كلينتون وربما بضعة شهور وفقا لمنافسها أوباما..
وقد جاءت زيارة جون مكين قبل أيام للعراق في ظل تأييده للسياسات الحالية للإدارة الأمريكية مشفوعة بحديث عن تراجع الهجمات المسلحة، ومع ذلك فقد تجاوزت ارقام القتلى من القوات الأمريكية الأربعة آلاف، ولن نتحدث عن الأرقام الفلكية للقتلى العراقيين فالمقابر الجماعية التي يتم اكتشافها يوميا تكفي وحدها لارباك أية احصاءات تدعي الدقة، وهناك المقابر المتحركة تحت مياه دجلة والفرات، هذا فضلاً عن مقبرة كبيرة تسكن النفوس العراقية وتجعل الحياة سواداً لا تضاهيه مأساة أخرى في عصرنا الحديث..
وبينما يشكل العراق موضوعا مهما في الحملة الرئاسية الأمريكية، وورقة يمكن الرهان عليها، فإن الوضع بالنسبة للعراقيين هو مسألة حياة أو موت، رغم أن الموت هو الغالب حاليا، إذ باتت الأمور خارج الارادة السياسية العراقية، ومع ذلك فإن المحاولات العراقية لا تفتر لاستعادة بعض من وحدتهم مثل المؤتمر الذي انعقد أمس في بغداد للمصالحة.
ويلفت النظر بشكل خاص إلى جانب سيادة ثقافة الموت وممارساته، هذا الخروج الجماعي الكبير للعراقيين من وطنهم بعدما أسقط في أيديهم ولم تعد لديهم فيما يحدث أمامهم من حيلة سوى المغادرة وبهذه الاعداد الكبيرة، فهناك 4.5 ملايين عراقي يهيمون على وجوههم في انحاء العالم..
ومن المؤكد أن زمنا طويلاً يبقى أمام العراقيين للملمة هذا الشتات في أركان الدنيا ولاصلاح النفوس قبل ان يتسنى لهم مباشرة اعادة بناء البلد.
لكن مع وعود تواصل الاحتلال لعشرات السنين، فإنه لا شيء ينبئ بإمكانية اعادة الأمور إلى ما كانت عليه في المستقبل القريب، خصوصا وأن في الأفق ما يشير إلى الاستعداد لحروب قادمة تتخذ من العراق نقطة انطلاق وربما القاعدة الأساسية لشن هجمات على الجوار القريب شرقاً أو غرباً.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244