حاوره - فهد العجلان
قلما تتصالح الصرامة والبشاشة في وجه امرئ ما لكنها كذلك في شخصية مشعل بن سعود بن عبدالعزيز أمير منطقة نجران وعقلها الفاعل في السباق التنموي.. يتلاشى العجب حين تقرأ العبارة التي تتوج مدخل مقر الإمارة (من صفات المخذولين: العمل بالشك وترك اليقين) عبارة تكشف عن شخصية الأمير الواثقة التي أحبها أهل نجران.. حين سألت احد اهالي المنطقة عن الأمير قال لي: ألم تسمعه يطلب المليك جامعة لاهالي نجران ويكررها.. اللي يحبنا نحبه.
فإلى الحوار مع صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن سعود بن عبد العزيز أمير منطقة نجران.
غسيل القلوب
* سمو الأمير انت عاتب على الإعلام تجاهله لمنطقة نجران وقلت غير مرة ان الإعلام لا يغطي الانجازات والازدهار الذي تشهده المنطقة فهل ترون ان تفعيل هذه العلاقة مسؤولية الإعلام وحده؟
- نعم صحيح أنا عاتب على الإعلام ولكن العتب ظاهرة صحية أو كما يقال (غسيل القلوب) وما يجري اليوم من تطور وازدهار بتوجيه حكومة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الامين في هذه المنطقة العزيزة من الوطن لا ينبغي على وسائل الإعلام الغياب عن ميادينها.
الثقافة والسياحة
* تسعى منطقة نجران لإطلاق هوية لقطاعها السياحي وقد قمتم بتوقيع اتفاقية مع الهيئة العليا للسياحة.. سمو الأمير يلاحظ أن السياح الأجانب يتدفقون إلى المنطقة بأعداد كبيرة متزايدة بينما ما يزال السائح المحلي أو السعودي غائبا عن المنطقة؟ كيف ترون الأسباب من وجهة نظركم؟
- حسنا.. دعني أتحدث بكل صراحة عن الفرق بين السائح الأجنبي والسائح السعودي.. الأجانب يأتون إلى نجران لأنهم يقرؤون عن المنطقة وتاريخها وآثارها بينما السائح السعودي وللأسف لا يقرأ ولا يعرف عن تاريخ المنطقة إلا النزر القليل.. فالسائح الذي يطلع على التاريخ بشكل عام ويتعرف على تاريخ المواقع يعرف القيمة التاريخية للمنطقة ويتطلع لزيارتها واختيارها دون الكثير من المواقع التاريخية.. ولذلك دعني أؤكد أن ثقافتنا المحلية التي تتسم بالعزوف عن القراءة والاطلاع هي من تسبب في حرمان السائح المحلي من التعرف عن القيمة السياحية لمنطقة نجران.
نعجب كثيرا أن يأتي سياح من اليابان وامريكا وعدد من الدول الغربية لزيارة نجران ومشاهدة آثار الأخدود بينما لا يعرف سياح الداخل وللاسف شيئا عن هذا المعلم التاريخي الهام.
الفعل وردة الفعل
* سمو الأمير.. ما دمتم تتحدثون عن القيمة التاريخية والأثرية للمنطقة فقد لفت نظري في اتفاقيتكم مع هيئة السياحة الإشارة إلى إنشاء قطاع سياحي تنعكس آثاره الايجابية على المواطن والمقيم.. فهل لسموكم أن تطلعونا على الخطط والبرامج التي تعتزمون تنفيذها لتحقيق هذا الهدف؟
- ما دمت اشرت إلى الخطط والبرامج في سؤالك فدعني فقط أسلط الضوء على حقيقة نواجهها في كثير من قطاعاتنا الاقتصادية وليس فقط السياحة الا وهي عدم التخطيط فنحن في كثير من تصرفاتنا لا نتجاوز (ردات الفعل).. الآثار مثلا ظلت لسنوات طويلة تتأرجح بين وكالة الآثار بوزارة التربية والتعليم وبين جامعة الملك سعود.. أما اليوم فقد انتهى هذا الوضع واصبحت تحت إشراف هيئة السياحة لذا فنحن متفائلون حاليا.. الاخوة في السابق قاموا بدورهم لكننا اليوم في عصر جديد يستلزم رؤية جديدة.
البعض يعول على إمارة المنطقة في القيام بكل شيء والحقيقة انها لا تستطيع القيام بكل شيء والسياحة اليوم صناعة متكاملة ليست مجرد ملصقات أو إعلانات.
نحن اليوم بحاجة إلى العمل والانجاز ولا أحد يملك انجاز كل شيء بنفسه فلو أراد أحد من امارة المنطقة ان تقوم بهذه المهمة فهو يظلمها ويظلم الآخرين.. لا يؤيد مثل هذا الطرح سوى من هوايته جمع الصلاحيات وأنا شخصيا ليست هوايتي جمع الصلاحيات والتطلع إلى ازدهار المنطقة مسؤولية الجميع فليست هذه مهمة الاجهزة الحكومية وحدها فالحكومة لا تقيم المصانع والاستثمارات بقدر ما تهيئ المناخ والبنية التحتية لها لكن هناك دورا للقطاع الخاص ولرجال الأعمال بتفعيل هذه الظروف وترجمتها إلى استثمارات ومصانع ومشاريع وفنادق سياحية.
اختصار التجربة السياحية
* سمو الأمير.. هناك وجهات سياحية في المملكة استغرفت سنوات طويلة حتى أصبحت مكانا معروفا يؤمه السياح السعوديون وحتى الخليجيون مثل أبها فهل نستطيع القول إن نجران بدأت هذه الرحلة وهل تعتقدون أنكم ستستغرقون وقتا طويلا لإقناع السائح بالمنطقة أم أن تجربة تلك المناطق ستختصر لكم الوقت؟
- لا أعتقد أننا سنستغرق وقتا طويلا كما في تجربة أبها لعدة أسباب.. ففي الماضي لم تكن هناك جهات تنظيمية للسياحة مثل هيئة السياحة التي تعمل اليوم بشكل فاعل ولم تكن هناك هيئة استثمار ولا فضاء مفتوح كما هي الحال الآن.. الظروف اليوم تساعد كثيرا ولذا نحن على يقين أن الظروف في صالحنا اليوم.
تجارة حرة بين المملكة واليمن
* هناك دراسة حول إنشاء منطقة تجارة حرة بين المملكة واليمن.
سمو الأمير.. ماذا تم بخصوص هذه المنطقة؟
- في الحقيقة تقدمت بهذا الاقتراح منذ سنوات ولكن لم تكن الظروف مناسبة للمضي بهذا المقترح أما الآن فالظروف مناسبة والبنية التحتية للمنافذ شبه مكتملة واليوم لدينا منفذ الوديعة وهناك كما تعلمون جانب سعودي وآخر يمني ويترأس الجانب السعودي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز حفظه الله وقد وقعت اتفاقيات من ضمنها العمل على إنشاء منطقة تجارة حرة بين البلدين ويوجد الآن مجلس أعمال سعودي يمني يضم داخله أعدادا من الأعضاء الذين يسعون لتحقق هذه المنطقة ونحن في الإمارة ندعمهم بشكل كامل.
* هل هناك خطوات فعلية سمو الأمير في هذا الاتجاه؟
- الدراسات مكتملة والاتفاقيات هناك بعض التفاصيل الصغيرة التي تشهد أما الخطوط العريضة فتم الاتفاق حولها.
أكبر جامعة في المملكة
* هناك مشاريع أعلن عنها للمنطقة بقيمة 2.1 مليار ريال في عام 2008
سمو الأمير.. هل لكم أن تطلعونا على جدولة تنفيذ هذه المشروعات؟
- أولا: دعني أؤكد لكم أننا في إمارة نجران لدينا اولوية بناء الانسان ونركز عليه أكثر من بناء المشروعات واكبر شاهد على ذلك اننا قبل 7 سنوات لم يكن يوجد لدينا في المنطقه كلية واحدة واليوم جميع الكليات التي توفر التخصصات المختلفة متوافرة في المنطقة وقد توجت بالجامعة خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - إلى نجران وهي لفتة ابوية كريمة من المليك - يحفظه الله - لأبناء المنطقه وبالمناسبة أحب أن أؤكد لكم أن الجامعة ستكون أكبر جامعة في المملكة من حيث المساحة وكل هذه المشروعات ستصب في بناء الإنسان وقد أقر هذا العام مدينة رياضية في نجران. ولذا أعود وأؤكد أن الإنسان هو البناء الحقيقي.
عزوف استثماري
* سمو الأمير تسعون في منطقة نجران إلى استقطاب الاستثمارات الخارجية والداخلية فما دور القطاع الخاص وتحديدا رجال الأعمال المنتمين إلى المنطقة ودورهم في هذه النقلة الاقتصادية التي تشهدها المنطقة خصوصا ونحن نعلم أن عددا كبيرا منهم يملك استثمارات كبيرة في مناطق اخرى من المملكة؟
ألا تعتقدون سموكم أن استثمارات أبناء المنطقة المهاجرة أولى بالعودة واستغلال الفرص المتاحة؟
- نعم هذا صحيح وقد قلت ذلك كثيرا وهم مقصرون جدا فلهم استثمارات في المنطقة الشرقية من الخفجي إلى الخبر وكذلك جدة وفي جميع المناطق والقطاعات الاقتصادية وفي اعتقادي أن رجال الأعمال المنتمين للمنطقة هم من يسأل عن سبب عدم التفاعل والاستثمار في المنطقة مع وجود الفرص! وقد سبق ودعينا عددا من رجال الأعمال المنتمين للمنطقة قبل عشر سنوات وللأسف لم يحضر عدد كبير منهم أنا شخصيا لا أعلم سببا وجيها لعزوفهم عن الاستثمار في المنطقة!
* سمو الأمير مع هذا الزخم من الاتفاقيات والازدهار الملموس في المنطقة ألا تعتقدون أن هذا المناخ سيغري بعضهم على الأقل بالاستثمار في المنطقة؟
- أتمنى فعلا ذلك وهذا ولا شك في مصلحة المنطقة ولكن سأترك لك الحكم مستقبلا على مستوى هذا التفاعل وأتمنى أن يأتي فعلا بالمستوى الذي نأمله جميعا.
مياه الربع الخالي
* مشروع جلب المياه من الربع الخالي أحد المشروعات العملاقة.. ما هي رؤيتكم لانعكاسات هذا المشروع في ظل شح المياه الذي تعانيه المنطقة؟
- قبل سنوات كانت هناك فكرة لجلب مياه البحر المحلاة عن طريق عسير إلى المنطقة ولو نفذ هذا المشروع لكلف الاقتصاد الوطني مليارات الريالات والحقيقة أن فكرة جلب المياه من الربع الخالي وردت إلى ذهني بعد أن تقدم احد المواطنين بطلب مشروع زراعي في طرف الربع الخالي وحين سألناه عن السبب أجاب بأن هناك بئرا قديمة لأهله هناك.. سألته: هل يوجد فيها ماء فأجاب: نعم وقد وقفت شخصيا على البئر.. وحين زارنا الوزير فهد بن معمر ولا بد هنا أن أشيد بجهود هذا الرجل فقد أبديت له الرغبة في آبار تجريبية في الربع الخالي وقد وافق مشكورا رغم أنه لم تكن هناك قناعة لدى كثير من مسؤولي وزارة الزراعة بهذه الخطوة لكن المفاجأة المفرحة أننا وجدنا نوعية من اجود المياه وعلى مسافة120 كيلو متر من نجران وفي ارض منسبطة يمكن فيها مد الانابيب بتكلفة لا تتجاوز10% من قيمة ما كان سيكلف جلب المياه من البحر.. مشروع جلب المياه من الربع الخالي ألحقناه بمشروع أثناء زيارة الوزير الحالي للمياه المهندس الحصين وهو مشروع الخزان الأرضي وسط وادي نجران وأعتقد بإذن الله أنه خلال سنة أو سنة ونصف ستكون نجران المنطقة الوحيدة التي لن تواجه أي شح في المياه
* سمو الأمير.. هذه المياه ستكون للشرب أم للزراعة؟
- ستكون للشرب بشكل رئيس أما الزراعة فاعتقد أنها لن تكون المحور الرئيس لاقتصاد منطقة نجران فالمنطقة ليست زراعية فقط فهي غنية بالمعادن ولكن هذا طبعا لا يلغي الزراعة ولكنها ستكون بالطرق الحديثة والبيوت المحمية وأنظمة ري متقدمة لا تمثل هدرا للمياه.
سعي لزيادة المصارف
* هناك مبادرة من سموكم لزيادة الحضور المصرفي في المنطقة.. أين وصلتم في هذا المجال؟
- نعم في الحقيقة نسعى لزيادة الحضور المصرفي في المنطقة وقد خاطبنا مؤسسة النقد بهذا الشأن لأنه توجد محافظات في المنطقة لا توجد بها فروع للبنوك.
رفض!
* سمو الأمير ألا تنتظرون مدينة اقتصادية بنجران على غرار المدن الاقتصادية التي أنشئت في بعض المدن؟
- في الحقيقة نحن لانحتاج مدينة اقتصادية في نجران.
الحفاظ على الآثار
* الازدهار الاقتصادي والتوسع العمراني الذي تشهده المنطقة.. ألا تخشون سمو الأمير من محاصرته وتأثير للبلدة القديمة والطابع التراثي لها؟ وهل قدمتم خطة لإنقاذها من ذلك؟
- هذا في الحقيقة جزء من الاتفاقية التي أبرمناها مع هيئة السياحة وتعنى بالحفاظ على الآثار في المنطقة وحقيقة لدينا خطة حول قصر الإمارة القديم داخل البلد والذي كان مهملا لفترة طويلة والآن لدينا خطة لتجميله وجعله للسياح الراجلين ونتمنى من وزارة الشؤون البلدية والقروية الموافقة على تصوراتنا لإحياء البلدة القديمة.
* أخيرا سمو الأمير.. هل من كلمة تودون قولها في ختام هذا اللقاء؟
- منطقة نجران أحد أهم المناطق وأكثرها امكانات خدمية فقد لا يعلم الكثيرون أنها المنطقة الوحيدة التي يوجد في كل محافظاتها مستشفيات ففي كل محافظة مستشفى وفي داخل مدينة نجران فقط يوجد 7 مستشفيات وحسب احصائية حديثة فإن المنطقة ليست بحاجة إلى سرير اضافي واحد خلال السنوات القادمة ولا يفوتني أيضا الإشارة إلى انه ستدشن المدينة الصحية في نجران خلال سنة ونصف السنة من الآن وهو أيضا من المشروعات الصحية البارزة التي تخدم أبناء المنطقة.