لمسات من الذكريات - الجزء التاسع - تأليف: معالي الوزير الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر
قراءة: حنان بنت عبدالعزيز آل سيف
(وسم على أديم الزمن) لمعالي الوزير الأديب عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر - حفظه الله تعالى- هي ذكريات لسيرة أدبية ذاتية تعكس شخصية الخويطر وما يتمتع به من عبقرية وموضوعية ومنطق، وهي ترسم لقراء هذه الذكريات ما تنطوي عليه هذه الشخصية من رموز وأمارات ومعالم النبوغ والنجابة والمهارة والذكاء، وهي انعكاس لسنين طوال عاشها الخويطر على مدى فترات حياته المديدة - إن شاء الله جل شأنه - وهو حينما يتحدث عن نفسه يغلب عليه تواضع شديد، وأدب جم فريد، وهو بهذه الذكريات والرسائل واليوميات يدعو الناظر في كتبه إلى مشاركته الشعورية والنفسية لعقبات وعثرات وفجوات خاض غمارها بكل هذه الذكريات الخويطرية النفسية: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (21) سورة الحديد.
كما أن هذه الذكريات تمسك بيدي القارئ لتحدث التبادل والمشاركة بين مشاعرنا ومشاعره، وما يضمه قلبه، ويحفظه بين حنايا مسدده، لذا فقد كانت المعاني تنثال على قلمه انثيالاً، وتتوارد بقوة وصراع مصورةً فترات حياته، وطيات شبابه، وفي هذا الجزء التاسع في طبعته السفيرية الأولى لعام (1428هـ - 2007م) وفي كتاب يحوي بين جلدتيه ما يقرب من (370) صفحة في قطع كبير القدر، عظيم النفس، من أهم خصائله وخصاله الصدق وصراحة الاعتراف، فأنت في هذه الأجزاء التسعة ترى الخويطر على حقيقته وكفاحه ونضاله وقوة بأسه، وإن ظهرت في هذا الصدق سمات شخصه، وشمائل ذاته، فهي دالة على حدة إرادة، وقوة شكيمة، وصبر على عثرات وعبرات فاح أريج عطرها، من خلال صفحات كتابه.
وهنا سؤال يطرق خاطري وهو: ما سبب تدوين هذه السيرة الذاتية على شكل يوميات مؤرخة بدقة متناهية، ولعلّي أترك المجال لشيخي العنيزي المنشأ، ليقول لي ولك ولكل من التهم كتابه، وتلذذ بعبير حبره ما نصه: (هذا الجزء اقتصر على السنتين الميلاديتين: 1954م و 1955م وبدء العام الأول كنت فيه في مقامي في لندن على حساب الوالد، إلى أن قبلت نهائياً في جامعة لندن للدراسة لدرجته الدكتوراه في قسم التاريخ في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية (s.o.a.s).... وفي هذا الجزء إيضاح للخطوات التي اتخذتها والتي اتبعتها للالتحاق بالبعثة الرسمية.... وفي هذا الجزء بعض التفصيل عن جوانب دراستي وما كان منها في صلب الهدف، وما كان منها جانبياً....).
ومن خلال الحديث عن معلومات سابقة، وأيام سالفة، سجلها مؤلفنا الكريم خوفاً عليها من النسيان والضياع، فما أشد تفلت المعلومات من الذهن، والأحداث من الذاكرة، فهي تتفلت كما يتفلت البعير بل هي أشد، والخويطر كثيراً ما يشير إلى هذا في كتبه ودراساته، لأن الكتابة قيد والعلم سيد، وعلى كل أظهرت معالم الوزير الأديب والأريب رجلاً هو من رجالات الزمان، أظهرته كاتباً بارعاً استطاع أن يتألق في مداد وفلك السيرة الذاتية حتى بارز وبز الأقران، وقارن الشجعان، ومن هنا فقد سادت سيرته هذه وقوبلت بعظيم الامتنان، وجزيل الشكر، فجعلتنا نقرأ بنهم ونقرأ بشغف، حتى أفرغنا ما في الجعبة من كنوز نفيسة، وذخائر ثمينة، وامتلأت كناشته بكل ما لذ وحسن وطاب وأسعد، والكتاب بكل أجزائه على هذا المنوال فما أحكم عقله، وأقوى لبه، حتى صارت هذه الأجزاء الثمانية السابقة والجزء الذي ألوك لك فوائده هو التاسع ومازال أديبنا صاحب قريحة فياضة.
وهذا الجزء يصف لنا حب الخويطر للمعرفة، وكان حريصاً على الإبداع والرقي والسمو فكان يودع سيرته الكثير من تأملاته الروحية الإيمانية، كما كان يضم إلى ذكرياته شيئاً من فلسفته الراقية، ليلفت الأنظار، ويقرع الآذان، ويحل عقدة اللسان، فتقال العثرة، وتفك الكربة (وفق كل علم عليم).
ولعل سمة إصلاح مجتمعنا السعودي كانت في خاطره ووجدانه في قلبه فكان يتمنى لبلده هذا التطور والنجاح والإقدام، والحمد لله لم يمضِ على أمنياته إلا ردهة من الزمن، فإذا التعليم والطب الزراعة والصناعة على قدم وساق يتسمانِ بقوة وصلابة وبسلام يقود الأمم وهي ناهضة مطمئنة مستكنة، وهذه السير الذاتية النقدية من أبرز ما كتبه أديبنا الفحل وقد أبدى محاولات شاركت في رسم وتحديد ملامح السيرة الذاتية السعودية الحديثة المعاصرة.
وهذه التراجم السعودية الأديبة الحديثة شقت الطريق للوصول إلى الأسس الفنية، والمعالم الفلسفية، وأظهرت للشعوب الأخرى كثيراً غير قليل من الحقائق الأدبية والمعالم النفسية، والخطوات الفكرية، وقد أعجب بها المعجبون، وتأنق في تطعم لذتها المثقفون، ومن هنا كتبها الخويطر- جزى بالخيرات دنيا وأخرى- على شكل (ذكريات) اهتمت بوصف ما أرادت قريحته الشاعرية الوجدانية من وصف البيئة والمجتمع والمشاهدات، مع اهتمامه بذاته ونفسه التي لم يغض الطرف عنها قط، ولقد راقت لي وسرت في مسارها، وشممت عطرها، ولكن للأسف وحتى هذه اللحظة لم أرتوِ من عشق رحيقها، وأنا في شوق ولهف إلى تكامل عددها، وانتظام عقدها {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}.
ومن هذا المنطلق يراودني سؤال هام جداً وهو: لِمَ اختار معالي الوزير الأديب (عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر) هذه الزمرة الزمنية من عمره المبارك المتطاول - إن شاء المولى جل وعلا- ليكتب ترجمته الذاتية، وذكرياته النفسية. ولعلّي أوفق في الإجابة على هذا السؤال الهام فأقول: وذلك أنه مبلغ النضج والكمال والاكتمال فعرج على ذكرياته العقلية، وصوره الذاتية إلى حقائق أحالت ببيئته الذاتية، وجعل هذه الحقائق ثابتة، والمعالم موثقة، وعضده- بعد الله تعالى- عقله وقلمه ومداد جبره هي الفارس المُعنَّى الذي يصل إلى بغيته ومطلبه بكل صول وكل طول، دون منافس أو مقارع وبهذا أقول وأنا واثقة الخطو، مطمئنة النفس، قطع الخويطر بقوله: هذا قول كل خطيب.
عنوان المراسلة: ص.ب 54753 - الرياض: 11524 فاكس 2177739
bent-alaasha@hotmail.com