أسست دارة الملك عبد العزيز في 5-8-1392هـ (1972م) وفاءً بحق المؤسس الملك عبد العزيز - رحمه الله - وتحقيقاً لأهداف وطنية عامة، يأتي في مقدمتها حفظ التاريخ الوطني وخدمته من خلال تنفيذ العديد من البرامج والأنشطة العلمية والثقافية المختلفة ولقد حددت لها أهداف عامة.
أنشئت الدارة من أجلها على محاور عدة ولعل من بينها خدمة الباحثين والباحثات في مجال اختصاصات الدارة، إلا أن المتأمل لحالة الدارة اليوم بعد ما سنحت لها فرص معنوية ومادية بدعم مباشر ورعاية مسؤولة وواعية من المؤرخ الحصيف الأمير سلمان بن عبد العزيز الذي يترأس مجلس إدارتها نجد أن نجاحاتها يكمن بالحس التاريخي لسموه الذي أراد لها تنظيماً جديداً ومواكبة لنقلة نوعية في جميع المجالات وفقاً لأهدافها وصدرت بذلك الموافقه السامية الكريمة رقم 206 وتاريخ 28-14- 1417هـ بإعادة تشكيل مجلس إدارة الدارة برئاسة سموه الكريم ومنذ ذلك الوقت وسلمان بن عبد العزيز هو المشرف والمباشر والموجه والداعم والمرجع والمفعل والمفكر وإليه يعزى نجاح الدارة، وأنا هنا لا أغفل الجهود الكبيرة التي حققتها الدارة من خلال النقلة الكبيرة في الهيكلة والتنظيم وخاصة بعد انتقالها إلى مبناها الجديد في مركز الملك عبد العزيز التاريخي بالمربع بمناسبة الاحتفال بمرور مئة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية عام 1419هـ.
وأنا هنا أخاطب حس المؤرّخ الذي أحب التاريخ منذ صغره قبل أن يتولَّى رئاسة الدارة وهو يستنشق التاريخ باستجلاء فهو دائم السؤال والبحث والتحرّي عن المعلومة الصحيحة من مظانها والذي أعطى التاريخ المحلي وتاريخ الجزيرة العربية بعداً متأصلاً، لذا كلي أمل في أن يأخذ سمو رئيس مجلس الدارة فيما أعرضه من واقع التجربة الشخصية لي مع الدارة فما أنا إلا قارئ وباحث مجتهد محب للتاريخ ولست (مؤرخاً) وما أعرضه الآتي:
أولاً: أن الدارة يحب أن تحمل المؤرخ والباحث وتشجعه إلى مباشرة عمله وتتيح له كل ما يحتاجه وتدفع من حماسته، بل تبحث عنه وتستقطبه للتعاون معها وإعطائه دوراً محفزاً على أقل تقدير وبمعاييرها وضوابطها التي تكفل لها معرفة الباحث الجاد والمنتج دون أن يكون له عمل رسمي بالدارة ليكون متعاوناً.
ثانياً: أن مجموع الوثائق المحفوظة بالدارة تصل إلى أكثر من مليون وثيقة محلية أصلية ومصورة، كما أن لديها أكثر من 500 ألف وثيقة مصورة أجنبية ذات علاقه بالمملكة وتاريخها، إلا أن أمر الاطلاع على وثيقة من هذه الوثائق بات صعباً، بل مستحيلاً للباحث والمؤرخ وتصويرها لا يتم حتى (يلج الجمل في سم الخياط)؟!!
بحجة تقول: إن الوثائق ما زالت تحت الفرز والتصنيف والترقيم والإدخال في (الميكروفيلم) و(الميكروفيش) والتصوير والتعقيم؟!!
وأنا كباحث أتساءل إلى متى؟!! ولماذا لا تتاح الوثائق لنا وللباحثين؟!! ولماذا جُمعت إذاً؟!! هل هي للحفظ ليس إلا؟!! والذي أعرفه أن الدارة تبنت مشروعاً ضخماً لتوثيق مصادر تاريخ المملكة العربية السعودية، لمسح المصادر التاريخية من الوثائق والمخطوطات والروايات وشهود العيان المعاصرين وصرف على ذلك المشروع الكثير من المال والجهد والوقت؟!!
ثالثاً: بالنسبة للمركز المتخصص للتاريخ الشفوي الذي أسس عام 1416هـ ليقوم برصد الروايات الشفوية في أنحاء ومناطق ومحافظات المملكة، حيث تم رصد أكثر من 5000 شريط كاسيت تمثّل روايات تاريخيه من الأعيان وكبار السن المعاصرين لحقب تاريخيه، فطلب سماع أو نسخ تلك الروايات لا يمكن أيضاً، حيث إنها تحتاج إلى تفريغ وتحقيق وفهرسة....؟!! ويعد التاريخ الشفهي من المصادر المهمة للباحث التاريخي لما يقدّمه من تحليل وتفسير لحوادث بارزة، ولما يعطيه من تصور دقيق، لأنه يؤخذ من أفواه الرجال الثقات.
رابعاً: من الضروري جداً في رأيي أن تبدأ الدارة في إتاحة باب المشاركة للباحثين من المؤرخين الجادين في مشاريعها الموسوعية والبحثية وأن تتيح لهم المجال في العمل بالمشاركة معها وذلك وفق استمارة موضوعة ذات معايير وضوابط مقننة مذيلة بسيرة ذاتية للأعمال والأبحاث التي قدمها وأن تقوم الدارة بتبني الشباب منهم من الهواة والمختصين بمنهجية البحث التاريخي الجاد ومنحهم بطاقة متعاون باسم (أصدقاء الدارة) ويتم تقييم أعمالهم بمستوى إنتاجهم ونشاطهم وفق خطه زمنية محددة ولتبدأ بذلك من انطلاقة مشروع موسوعة تاريخ المملكة العربية السعودية والتي أقرها مجلس إدارة الدارة في جلسته التي عقدت يوم الاثنين 26 صفر 1429 هـ فتلك الموسوعة بحاجة إلى الانعتاق من المركزية إلى اللا مركزية في استقطاب باحثين يشكلون فريقاً متكاملاً لإيجاد مؤلف موسوعي يعتمد على مراجع حديثة موثقة ليكون مرجعاً للباحثين والكتاب والمؤلفين ويساعد الأجيال القادمة في التعرّف على تاريخ بلادهم. وخصوصاً أن مادة الموسوعة من الوثائق والمخطوطات والروايات الشفوية تمثل رصيداً وافراً لدى الدارة.
خامساً: الدارة يجب أن لا تكون دار نشر ولقد نصت الأهداف العامة التي أنشئت من أجلها الدارة على عدة محاور تصب في مجالات مختلفة وتبدأ من تحقيق الكتب التي تخدم تاريخ المملكة وجغرافيتها وآدابها وآثارها إلى إعداد البحوث والدراسات والمحاضرات والندوات عن سيرة الملك عبد العزيز خاصة وعن المملكة وحكامها وأعلامها قديماً وحديثاً بصفة عامة، إلى المحافظة على مصادر وتاريخ المملكة وحكامها، وإنشاء قاعة تذكارية، إلى منح جائزة سعودية باسم (جائزة الملك عبد العزيز) إلى إصدار مجلة وإنشاء مكتبه تخدم كل ما يخدم أغراض الدارة وتنتهي بخدمة الباحثين والباحثات في مجال اختصاصات الدارة.. فلم تشر الأهداف إلى لفظة (نشر)، كما أن طباعة الكتب يجب ألا تكون عن طريق الدارة، وأقترح هنا أن يتبنى القطاع الخاص من رجال الأعمال تمويل الطباعة مع كتابة اسم الممول على الكتاب ومن ثم توزيعه بالمجان على الباحثين والمؤرخين والمؤسسات العلمية والثقافية والمكتبات العامة في الداخل والخارج، وفي ذلك خدمة لتاريخ المملكة العربية السعودية.
سادساً: على أمانة الدارة أن تقف موقف الحياد ولا تفصل أو ترد على ما يكتب في الصحف حتى تصل إلى المعلومة الثبت وأن لا تعطى حكماً أو أحكاماً متسرّعة دونما الاستناد إلى وثائق رسمية، كما أن ليس من حقها أن تحجب حق الغير في الرد وهذا الأمر حدث معي شخصياً عندما قمت بالرد على أمين الدارة في مسألة تاريخة مستنداً في ردي إلى وثائق قاطعة؟!! فحرية الرد والنشر يجب أن تكون متاحة للجميع دون تمييز إذا ما أردنا خدمة تاريخ المملكة وبخاصة تاريخ الملك عبد العزيز ورجاله المغاوير.. وتلك مسؤولية مشتركة لا تنفرد بها الدارة دون غيرها.
سابعاً: لا بد أن تقوم الدارة بتقييم دوري لإصداراتها فليست العبرة (بالكم) إنما (بالكيف) من منطلق أن المعلومة التاريخية ذات قيمة مطلقة، ويجب أن تلاحق من أجل القيمة نفسها وهي مهمة تقتضي من الباحث أو المؤرخ التجرد والصبر والدقة وإنني هنا أستطيع أن أقول وبحس وطني تاريخي صادق إننا لم نكتب تاريخ الملك عبد العزيز بعد؟!! لأننا وببساطة لم نقرأ تاريخه في مجمله.. وما كتب لا يعد أكثر من كونه اجتهادات خاصة لجانب أو جوانب محددة من حياته والدارة في زعمي لديها المادة والإدوات والإمكانيات التي تقود فريق من المؤرخين إلى مباشرة عمل موسوعي كبير عن الملك المؤسس والتي تحمل الدارة اسمه كأبرز شخصية عرفها التاريخ الحديث في الجزيرة العربية، بل في العالم بأسره.
ثامناً: أقترح على مجلس إدارة الدارة أن يتبنى فكرة إقامة ملتقى سنوي تحت مسمى (ملتقى الدارة) ويكون موعده متزامناً مع يومنا الوطني المجيد ويفعل على مستوى كافة مناطق المملكة بتمويل مباشر من رجال الأعمال في كل منطقة وتحدد له محاور أساسية في كل عام وذلك بالتعريف بأمجاد الوطن ورجاله المخلصين وفي مقدمتهم الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود - رحمه الله - والتعريف بالنعمة التي ننغمس في إفنائها وبخاصة نعمة الأمن الذي نعيشه في استجلاء الشكر لله تعالى ويكون المستهدف الأساس النشء من الأبناء في المؤسسات التعليمية لتنمية الحس الواعي المسؤول تجاه مقدرات الوطن ورجاله ورموزه.
وما سبق لا يعد أكثر من كونه مشاركة لا تقلّل من الجهود الكبيرة التي تقوم بها الدارة والعاملين بها بدعم ورعاية مباشرة من رئيس مجلس إدارتها الأمير والإنسان المؤرخ سلمان بن عبد العزيز الأمل المعقود والذي يُنسب إليه حفظ تاريخ المملكة العربية السعودية بخاصة والجزيرة العربية بعامة وكلي أمل في أن يتبنى سموه تذليل وتسهيل مهام الباحث لتقوم الدارة بتزويده بكل ما يحتاجه من الوثائق التي تعينه في أبحاثه ودراساته، فسلمان ذو حسٍ وطني تاريخي واع ومسؤول وهو إلى هذا كله الصديق القريب إلى هواجس وآمال وتطالعات المؤرخين والباحثين والكُتّاب.. دمت سلمان الداعم والمشجع والمحفز والقريب من هموم أصدقائك محبي التاريخ.
فهد عبدالعزيز الكليب