منذ أن خرجت إلى هذه الحياة كانت قافلة الأيام تسير بي إلى عالم السنين وتقودني نحو مقتبل العمر، وتمنحني جرعات من الحيوية والتفاؤل، كانت مواقف الرجال هي من رسخت بقاؤهم، ومجالس الآباء والأجداد هي من منحني الثقة حين كنت أسمعهم يتجاذبون أطراف الحديث حول حياتهم القديمة، والبداية التي انطلقوا منها نحو حياة الحاضر الآمنة الحافلة بالوفاء المشبعة بالعطاء، وكان سمعي يطرب بالحديث عن الشيخ علي بن سالم بن حسن السلمي المالكي شيخ شمل قبائل آل سلمى بمحافظة الداير بني مالك بمنطقة جازان، وعن سيرته العطرة ومواقفه النبيلة التي عرف بها فتارة أجدهم يتغنون ببعض أبياته الشعرية وأخرى يتحدثون عن شيء من الحكم والأمثال التي كان يقولها وازداد إعجابي به وبروعة أدبه وثقافته، وأجد نفسي ترفع هاماتها فخراً وشرفاً بانتمائي لقبيلته العريقة التي منحها جهده ووفاءه.
ولد الشيخ علي- رحمه الله- عام 1338 هـ بقرية (الملحة) بآل سلمى ببني مالك، وتلقى تعليمه على أيدي بعض المشايخ من أبناء المنطقة عن طريق ما يعرف حينها بالكتاتيب منهم الشيخ إسماعيل الحازمي، والشيخ محمد بن شرف، وذلك قبل وصول الشيخ عبدالله القرعاوي إلى المنطقة وفي العام 1366 هـ تولى المهمة كشيخ شمل لقبائل آل سلمى خلفاً لوالده وهو ابن الثامنة والعشرين ربيعاً التي امتدت لمدة ستة وثلاثين عاماً تلألأت فيها مواقفه الإنسانية النبيلة في سماء الوفاء واعترفت ببسالة شجاعته ساحات الفداء، كان العدل والمساواة قانونه بين أبناء قبيلته عرف بالعديد من الصفات الجميلة والخصال الحميدة، منها الحلم والحكمة والصدق والوفاء، كما كان من رجال الدعوة إلى الله سعى طوال حياته في تعليم الناس أمور دينهم ودنياهم، كما كان له- رحمه الله- بعض المواقف البطولية تمثلت في الصلح بين القبائل.
كما كان له أياد بيضاء في حل بعض القضايا الاجتماعية والقبلية سواء ممن هم من أبناء قبيلته أو من أبناء القبائل المجاورة واستمرت هذه المواقف في حضورها وتلك الأيادي في امتدادها بالخير والصلح بين الآخرين أثناء مسؤوليته كشيخ قبيلة وحتى بعد أن تنازل عنها لأخيه الشيخ سليمان بن سالم السلمي المالكي شيخ شمل قبائل آل سلمى حالياً وذلك عام 1402 هـ وذلك لأسباب صحية، ولأنه قد بلغ من الكبر عتياً كانت أول حجة له رحمه الله إلى بيت الله الحرام عام 1368 هـ مشياً على الأقدام، وحينها عاد وقد اشترى أول كتاب في حياته وهو (سنن النسائي) من مكتبة دار السلام بمكة المكرمة الذي مازالت مكتبته تحتضنه حتى اليوم وبعد صراع مع المرض استمر لمدة سنتين انتقل إلى رحمة الله فجر يوم الأحد 18 - 1 - 1429 هـ في مستشفى عسير بمنطقة أبها بعد عمر ناهز الواحد والتسعين عاماً أمضى منها اثنين وثلاثين عاماً إماماً وخطيباً لجامع (العنقة) بآل سلمى ببني مالك اعتباراً من تاريخ 1 - 3 - 1395 هـ وحتى 15 - 2 - 1426 هـ ودفن بمقبرة (الشرف العامة) بمنطقة أبها، وبذلك فقد الوطن أحد أبنائه الكرام البررة الذين شاركوا في ملحمة البناء والفداء، وبرحيله فقدت المنطقة ركناً أساسياً من أركان تاريخها المشرق بالولاء والعطاء... نعم رحل الشيخ علي بن سالم بن حسن السلمي المالكي وأقيم واجب العزاء بقرية (العنقة)، وجاءت القبائل ومشايخها ناقلين أحر تعازيهم وصادق مواساتهم، ولقد كانت مبادرة سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز آل سعود أمير منطقة جازان بالاتصال والتعزية لها الأثر البالغ على نفوس أسرة المرحوم خاصة وعلى أبناء قبائل آل سلمى عامة، وكذا اتصال الأمير محمد بن تركي السديري أمير منطقة جازان سابقاً وسعادة محافظ محافظة الداير بني مالك الأستاذ عيسى بن جابر صدام ومشايخ القبائل الأخرى، وكل من حضر وشارك في تقديم واجب العزاء أو اتصل هؤلاء جمعاً لهم الشكر والتقدير سائلين الله ألا يري الجميع مكروهاً... نعم هكذا جاء الخبر كسيل المطر سال الدمع وانهمر قالوا انتهى العمر حان وقت السفر وأوريت الجنازة الثرى وأطبق القبر.. الله يغفر الذنب ويكتب الأجر شيخنا (علي) بكينا حتى مل الصبر ومن بُكانا بكى الحجر (جبال بني مالك) خيم الحزن عليها، وجاءت التعازي إليها لمن هم عليها. ومازالت جراح أبناء محافظة الداير بني مالك غائرة ودموعهم جارية حزناً على وفاة الشيخ (علي الحرازي) شيخ قبيلة حراز الذي سبق أن تحدثت عنه عبر هذا المنبر، وها هو الموقف نفسه يتكرر خلال أشهر بسيطة، وذلك برحيل الشيخ (علي السلمي) شيخ شمل قبائل آل سلمى ببني مالك... رحم الله الجميع وأحسن مثواهم. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}
الحرس الوطني بالرياض