اقتصاد المعرفة، والتنمية المعرفية، والاستثمار في مجال المعرفة، أصبح اليوم هو السمة الغالبة للنشاط التجاري في مختلف دول العالم، وصار التنافس في هذا المضمار يأخذ أبعاداً لم يكن يقترب منها في السابق، وفي ذلك دلالة على أهمية المعرفة في تطور الشعوب ورقيها، وتزايد الحاجة لضرورة تنميتها والارتقاء بوسائلها المختلفة لتوفير عناصر التقدم المرتبطة بها.
ولا يخفى على أحد التنافس الشديد حول امتلاك عناصر المعرفة، وتطويرها وتميزها والتفرد بامتلاك الإمكانات العالية التي تظهر آلة المعرفة بصورة ملفتة للأنظار وذات عائدات لا تنافس، والكل تابع المفاوضات بين مايكروسوفت و(جوجل) لشراء (ياهو) من خلال صفقة وصلت قيمتها 44 مليار دولار أمريكي. وهذا أحد أوجه التنافس حول تطوير آليات المعرفة ومحاولة احتكار عناصرها والسيطرة عليها من قبل الشركات العملاقة.
في هذا الصدد يبرز الحاسوب كأحد أدوات لعبة التنافس، وكذلك الشبكة الدولية للمعلومات باعتبارها أحد ميادين السباق نحو تقديم الأفضل من أطباق المعرفة الشهية، وطرح كل ما هو جديد وحديث وأقل تكلفة.
أما لغة الاتصالات فيمكن تسميتها -بلا تحفظ- لغة العصر لأنها تقود سباق المعرفة، وتدعم الانطلاق نحو آفاق التقدم والتطور، بل هي مؤشر الارتقاء في مختلف الميادين الأخرى، والركيزة التي تدفع بعملية التنمية المتكاملة، سواء كانت اقتصادية أو صحية، أو تعليمية، أو ثقافية، وكذلك الاجتماعية، لذا يكون التنافس على امتلاكها وتطويرها وتوظيفها أمراً لا ينفصل عن المشروع المعرفي برمته.
ولا غرو إذن عند حدوث تنافس واضح، وغيرة غير خفية، بين الشركات حول تقاسم حصة سوق الاتصالات في كثير من البلدان، بل محاولة السيطرة على أسواق (الآخر)، حيث تطرح كل شركة نفسها بديلاً للأخرى، وتقدم نفسها باعتبارها الأفضل، وتحاول دعم مصداقيتها من خلال تقديم ميزات جديدة لم تكن موجودة من قبل، وهذا يجعل غيرها يقدم ما يفوق ذلك من ميزات، ربما في جانب خدمات أخرى، وهكذا يستمر التنافس والصراع من أجل الفوز بأكبر حصة من المستهلكين (جمهور العملاء).
هذا التنافس ليس سيئاً، مهما كان دافعه إزاحة الآخر والسيطرة على مقاليد السوق، لكنه يتيح الفرصة لتقديم الأفضل من حيث الخدمات والأسعار ومن حيث الجديد والمناسب لمختلف شرائح المستهلكين، وبذا يكون الفائز الأول، والمستفيد الفعلي هو المواطن (المستهلك) الذي يفاجأ في كل مرة بوجود شركة جديدة ذات خدمات مميزة وأسعار أرخص ومزايا لم تكن موجودة من قبل. وسيظل هذا التنافس مستمراً إلى مدى بعيد نسبة لتزايد الحاجة إلى المزيد من تقنيات الاتصالات، وإلى الجديد من المزايا في الخدمات والأسعار، وهذا هو المضمار الذي يتوقع أن تواصل فيه شركات الاتصالات سباق الحيازة على أكبر الحصص من العملاء، ويسهم مثل هذا النوع من التنافس في جودة المنتج، ومنع احتكار الخدمة، وعدم التحكم في الأسعار، ويتمنى كثير من الناس أن يطول هذا التنافس مختلف المجالات، وألا يكون قاصراً على قطاع الاتصالات، بحيث يقطع الطريق أمام جهات عدة تحاول أن تسيطر على العميل دون أن تقدم له ما يكافئ المبالغ التي يقوم بدفعها نظير خدماتها المتواضعة.
نقول هذا التنافس دليل عافية، ومؤشر تقدم، بل مؤشر ثقة لتلك الشركات في مقدرتها على الصمود وتقديم كل ما يجعلها محل ثقة العميل ويبقيه مرتبطاً بخدماتها، وعزمها على تقديم التنوع والتعدد والتميز، وسنظل نرقب نهايات ذلك التنافس الذي حتماً سيصب في رصيد (المستهلك) صاحب الحق الفعلي والمستهدف الأساسي في العملية برمتها.