حينما نتحدث عن تنمية الثروة البشرية، فإنه حديث عن هدف مهم من أهداف البناء المتكامل الذي يسهم الجميع في تشييده وتثبيت أركانه. بناء المجتمع القوي عقلاً وروحاً، بناء الجيل الذي يحمل الرَّاية في ميادين العمل النافع والعطاء المتجدِّد. شيء رائع أن تقوم مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع بدور واضح في تحقيق هذا الهدف الكبير، فهي منذ أن وجه خادم الحرمين بإقامتها تشعرنا بأهمية دورها في رعاية المواهب في المجالات العلمية المختلفة، وبضرورة دعمها والتعاون معها، والإحساس بقيمة وجودها.
لقد برزت قيمة هذه المؤسسة في معرض الابتكار الذي أقيم أخيراً وحظي باهتمام عدد كبير من الناس، وبرزت فيه مواهب سعودية ممتازة عرضت عدداً من الابتكارات المتميِّزة.
وليس غريباً على عقول أبنائنا وبناتنا أنْ تهتدي - بتوفيق الله - إلى عددٍ من الابتكارات، والبراءات العلمية، فالعقل البشري مهيأ لفتح آفاق فسيحة في مجالات العلوم المختلفة إذا وجد من يرعاه ويشجعه ويوجهه توجيهاً سليماً.
لقد كنت أطَّلع منذ زمنٍ بعيد على أخبارٍ تنقلها مجلات علمية محكمة في أوروبا وأمريكا عن مواهب عربية مسلمة، ومواهب سعودية متميزة، تسجّل لها براءات اختراع، وكنت - كغيري - أسعد برؤية تلك الأخبار، وإن كان هنالك سؤال يرتبط دائماً بهذا الموضوع: لماذا لا نرى لتلك المواهب أثراً فيما بعد؟ ولماذا ينطفئ ذلك الوهج، وتغيب تلك المواهب عن ساحات المشاركة في التطوير والبناء.
ثم علمت فيما بعد أن السبب الرئيس في ذلك هو إهمال تلك المواهب حينما تعود إلى بلادها الأصلية، لأنها لا تجد المجالات العلمية التي تطبق فيها ما وصلت إليه، ولا تجد الدعم المادي الذي يتيح لها مواصلة العمل، وقد التقيت بأحد الشباب السعودي الذين كانوا يشار إليهم بالبنان في الجامعات التي درسوا فيها في أمريكا، وأخبرني بأنه وصل إلى رئاسة فريق علمي له مادياً ومعنوياً ما دفعه إلى مضاعفة جهوده في مجاله العلمي المهم، ولكنَّ ذلك كلَّه تلاشى حينما عاد إلى المملكة وتسلَّم عمله مديراً عاماً لإحدى الشركات التي يملكها والده، وما مضى عليه إلا شهور قلائل حتى غاص في عمله الإداري، ونسي ذلك التألق العلمي الذي وصل إليه أيام دراسته.
كان لقائي بهذا الشاب قبل سنوات، فلعلَّ هذه المشكلة التي حدثت له قد عُولجت من خلال مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، ومن خلال هذه المؤسسة الرائدة في مجال رعاية المواهب والمبدعين.
ويظل الابتكار والاختراع هدفاً إستراتيجياً مهماً، ويظل ربطه بقيمنا وتعاليم ديننا وأخلاق مجتمعنا هدفاً أكثر أهمية.
إشارة:
قدرات العقل البشري الذي ميَّز الله به الإنسان لا تكاد تُحَدُّ.
www.awfaz.com