لا أدري كيف أكتب عن صديق قديم فجعت بخبر وفاته قبل أيام؟
ولا أدري كيف أصف شعور مفجوع مثلي في صديق قريب بعيد أيضاً؟ وكلما عرفته منذ أن قرأت الخبر أني كنت مقصراً في حق الصديق الذي له منزلة عندي ولي عنده مثلها يرحمه الله؛ فقلت: يا لهذا الوقت الذي أشغلنا حتى عن التواصل مع الرجال الذين لهم ميزة خاصة ونكهة رجولة ووفاء قديم حديث في آن واحد.
عرفت أبا زياد رحمه الله حينما كان شاباً مهندساً في البنك الزراعي، وكنت يومها زميلاً قريباً له من الناحية التوافقية في منظور الحياة والهدف في زمن لم يعد أحدنا يعرف هدفه أو يتحقق من بلوغه.
كان رجلاً صامتاً ومنتجاً في عمله أكثر منه متحدثاً، وكثيراً ما كان يرتاح لي بأحاديث كثيرة، وكثيراً أيضاً ما وقف معي وقفة صفاء ومحبة وصدق مميزة؛ لذا كنت أناديه ب(أخي عبد العزيز) فكان يضحك من هذا النداء، ولكن كان يعرف مقدار محبتي له، وأعرف ما لي عنده من محبة.
انقطعت مدة عن البنك الزراعي بعد انتقالي منه وبعثتي للدراسة خارج الوطن، فعلم بعودتي وأوصى أحد الأصدقاء بتبليغي السلام، يا رحمك الله أبا زياد كم أنت رائع حقاً، لكني لم أزل أحفظ له أفضالاً كثيرة، زرته في البنك الزراعي وقبيل نقله للزراعة وجدت أبا زياد كما كان لم يتغير، إلا أني لاحظت عليه مسحة من كآبة أو حزن لم أعرف سببه إلا فيما بعد.
انتقل إلى وزارة الزراعة كوكيل لها، فكان عبد العزيز الشثري الذي لم يغيره المنصب الجديد، وهنا عرفت سبب الكآبة عليه بالرغم من ابتسامته التي أعرفها ولم تتغير.
عبد العزيز رجل يختلف عن الآخرين فهو صامت وبشوش، وهو يحمل كثيراً من صفات الشهامة التي يعتز بها بالرغم من مشاغله الكثيرة يرحمه الله، وهو من الرجال الذين يعرفون الناس على اختلاف مناحي الحياة، ويقدرونهم أقدارهم، أي أنه ابن البيئة ومتشرب مداخلها ومخارجها بصفاء.
ميزة أخي عبد العزيز يرحمه الله أنه لا يحمل حقداً على أحد، بل هو واضح مع الناس، ويتلمس حاجاتهم في العمل ويساعد على حلها بهدوء وله نظرة بعيدة في الرجال لا يجيد سبر غورها إلا هو وأمثاله، ثم هو يرحمه الله قد رزق الهدوء والصمت، إلا أن له محبة في قلوب الذين عرفوه.
أبو زياد رحمه الله عنصر نادر في زمن شح فيه النوادر، وها نحن نودعه إلى جوار ربه، ولا نملك إلا الدعاء له بالمغفرة وأن يجزيه الله بما قدم من خير لكثيرين لا يعلمهم إلا الله وقلة من الناس.عزائي لأسرته جميعاً ولزملائه كلهم، رحمه الله رحمه الله.
abo_hamra@hotmail.com