من القصص التي لا تزال رغم قدمها تحدث في نفسي الأثر الذي قيلت لأجله قصة الفيل الصغير الذي أوقعه صياد ماهر في شباك أسره، وحتى لا يترك أي فرصة للفيل بأن يهرب أو ثقه بسلسلة متينة يعلم أن قوة الفيل الصغير غير قادرة على كسرها. الفيل بدوره لم يستسلم في بداية الأمر يحفزه بقوة

حنينه للحرية، ولأمه وبقية أفراد جنسه، فحاول مراراً وتكرارا كسر قيده والهروب من الأسر، لكن كل محاولاته كانت تفشل، ومع كل محاولة فاشلة للهروب يكبر في نفسه الإحباط والرغبة في الاستسلام للواقع، ومع مرور الوقت أقنع الفيل نفسه بأنه لا يملك القوة الكافية لتحطيم قيده حتى ألف الأسر وسكون حاله ورضي بواقعه المفروض عليه.

مرت الأيام والسنون بسرعة كما تفعل دائماً، وكبر الفيل وتضاعف حجمه لكنه لا يزال قانعا بالأسر مقتنعا من عدم جدوى الفرار، أو حتى المحاولة فقد عانى مراراً في صغره من محاولة الهرب. في أحد الأيام شب في الغابة حريق كبير أكل الأخضر واليابس ولم يبق على شيء في طريقه، وهربت كل الحيوانات، فالخطر القادم يفوق كل المخاطر التي تتعايش معها، والنجاة بالنفس والفرار من المكان كان هو الغاية الأساسية لها. تمر الحيوانات وهي تعدو على الفيل وتراه يئن خوفاً ويأساً لكنها لا تملك غير التحسر على حاله وتمضي تاركة إياه ليواجه مصيره على الرغم من صرخات الاستغاثة التي كان يطلقها بحرقة وهلع ونداءات الاستعطاف والتذلل التي يقولها لمن يمر به من حيوانات حتى وصلت النار أخيراً إلى مؤخرة الفيل لتلسعه، ودون أن يدري وكردة فعل طبيعية لوقع الألم قفز الفيل فإذا بالقيد ينكسر، وعلم الفيل أخيراً أن القيد لم يكن هو ما يعيقه، وإنما انهزام روحه وغياب فهمه للمتغيرات واستكانته فالعائق كان نفسياً أكثر من غيره.

والسؤال الذي لابد من تكراره مراراً: كم واحد منا يتطلب أن تلسعه النار في مؤخرته حتى يتحرك ويختبر ما يملك من قدرات؟.. والله المستعان.