الثقافة الإلكترونية هي إحدى روافد عصرنا الذي نعيشه، وإحدى العناصر المميزة لحضارة الألفية الثالثة والتي حولت العالم إلى قرية صغيرة جعلته يشهد تطورات جذرية في العديد من مجالات الحياة المختلفة، نتيجة للثورة التكنولوجية الحديثة.
وتعتبر الثقافة الإلكترونية جزءاً لايتجزأ من الثقافة العامة للفرد، ولابد أن يكون على دراية بها وإلا أُعتبر الفرد أمياً خاصة بعد اقتحام التقنيات والإلكترونيات منازلنا ومكاتبنا وسياراتنا، وتواجدها في كل مكان من حياتنا، حيث أنها تؤثر بشكل مباشر علي المستقبل القريب والبعيد.
إن الجميع يدرك أهمية الحكومة الإلكترونية والرقمية وماهية فوائدها خاصة بعد الثورة المعرفية التي يشهدها العالم في هذا المجال، وخاصة بعد دخول الكثير من الدول في هذا الجانب من بواباته الواسعة، ولكن مع هذا وذاك علينا التعرف على ما نملكه من معرفة وثقافة تمكننا من ممارسة التقنيات التكنولوجية والإلكترونية، إذ إنه من الصعب بمكان تحديد معنى واضح لمفهوم الثقافة ودلالتها اللغوية، لأنها ذات مفاهيم عديدة ومتشعبة، فهي المعرفة المكتسبة وغير المكتسبة، والتعامل والممارسة اليومية، والعادات والتقاليد.
وفي المجال الإلكتروني تعتبر الثقافة ممارسة التكنولوجيا والتقنيات الإلكترونية بما يكفل استخدام الحكومة الإلكترونية بنجاح لأجل تطويع التقنيات الحديثة لاستخداماتنا بما يعود على المجتمع بالنفع الاقتصادي والاجتماعي، كما أن الثقافة الإلكترونية عبارة عن قدرة الفرد على التواصل مع الآخرين عبر الوسائل الإلكترونية الحديثة، والدخول بسهولة إلى عالم التقنية وتكنولوجيا المعلومات.
وكما هو معروف بأن المجتمعات حالياً تقاس بعدد مستخدمي الإنترنت واقتناء الأجهزة التقنية للتكنولوجيا والمعلومات بمختلف أنواعها، كما تقاس بالدورات وحلقات العمل التي تُقام لتنمية المجتمعات، لذا فإن التدريب على التقنيات الإلكترونية وكسب ثقافتها بات ضرورة ملحة في وقتنا الحاضر لما يشهده من تضخم وطفرة غير طبيعية في التقنيات والتكنولوجيا، حتى أصبح المجتمع البعيد عن مواكبة التقدم الإلكتروني مجتمعاً متأخراً عن الركب العالمي، فلقد أثبت بحث أنجزته مؤسسة جارتنير البريطانية أن كل ساعة تستثمر في التدريب على تشغيل أنظمة تكنولوجيا المعلومات ذات علاقة بطبيعة المؤسسة المعنية تمثل في المتوسط ربحاً للمؤسسة يعادل قيمة عملهم لفترة خمس ساعات على الأقل.
كما نجد أن التقنية الإلكترونية مرتبطة بشكل كبير بالمجال الاقتصادي لأي بلد وبحجم الإيرادات فيه، فهي علاقة طردية فكلما زادت الإيرادات زادت بالتالي التقنية الإلكترونية في البلد وزادت الثقافة الإلكترونية.
ومن جانب آخر، فقد حظي مشروع الحكومة الإلكترونية بالمملكة من خلال برنامج التعاملات الحكومية الإلكترونية (يسر) باهتمام كبير من قبل كافة القطاعات والمؤسسات في الدولة، وذلك لإدراكها التام بضرورة تنفيذه في المرحلة القادمة خاصة وأن العالم الخارجي يشهد نقلة كبيرة في هذا الجانب، وأصبح العالم يسابق نفسه لتغطية الفجوة الرقمية التي أنشئت بسبب التأخر في تطبيق مشروع الحكومة الإلكترونية في مختلف القطاعات والهيئات والمؤسسات، ويبذل برنامج (يسر) جهوداً مشكورة في نشر المعرفة والثقافة الإلكترونية والتحول الإلكتروني بين الجهات الحكومية والأفراد، ولكن في الوقت نفسه مازلنا نحتاج إلى تكثيف إقامة الندوات وإلى جرعات تليفزيونية وإذاعية وبرامج تعليمية وثقافية في هذا الجانب، لتثقيف المجتمع إلكترونياً وتقليص الفجوة الرقمية والفجوة المعرفية، وذلك عن طريق تدريب موظفي الخدمة المدنية وتدريب شرائح المجتمع من خلال إقامة الدورات ومراكز التدريب في مختلف المناطق، من أجل الحث على استخدام التقنيات الحديثة والإنترنت وتكنولوجيا المعلومات، فالتعليم والتدريب مكملان لبعضهما، وبهما معاً يمكن أن تزيد ثقافة الفرد ومعرفته الإلكترونية، ويصبح مثقفاً إلكترونياً، حيث أن الطاقة الإنتاجية للموظف تزيد بزيادة ثقافتة الإلكترونية، وهذا هو ما حرص عليه اليابانيون عندما طوروا إحدى نظريات الإدارة والمعروفة بنظرية (y) والتي بنيت على أساس أن كل فرد يُكمل الآخر من خلال تسلسل في العمل الواحد، والتي تشترط أن كل عامل يجب أن يكون لديه ثقافة ومعرفة العامل الذي سبقه داخل أي عملية من بدايتها إلى نهايتها.
كما أن الدول العالمية لم تكن تصل إلى ما وصلت إليه من هذا التقدم التقني والتكنولوجي إلا بمعرفتهم لمفهوم الثقافة الإلكترونية ومكافحة الأمية المعلوماتيه والسعي إلى نشر الثقافة المعلوماتية إلى المجتمع ككل وتأهيله وتدريبه، حتى يكون مجتمعاً إلكترونياً.
e-mail: aammar@saudiedi.com